موجة من الأسى غمرت شعوري كله وأنا أقرأ نعي الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني منذ أيام. . . ألأنه ودع الحياة وفارق أصدقائه ومحبيه على غير ترقب وانتظار، أملأني قد رأيته وجلست إليه ساعة أو بعض ساعة كانت هي اللقاء الأول والأخير، أم لأني قد هاجمته على صفحات (الرسالة) هجوماً عنيفاً راعيت فيه جانب الحق وأهملت كل ماعداه؟!
ليس من شك في أن تلك الأمور جميعاً قد تركت في نفسي إحساساً
عميقاً بالأسى لفقده؛ ومن دواعي الأسف حقاً أن يمسي الأحياء
ويصبحون فلا يجدون المازني يملأ مكانه، وأن ألقاه أنا منذ قريب
فيتحدث إلي وأتحدث إليه، ثم يشاء القدر أن أهاجمه هجوماً عنيفاً دون
أن أعلم أنه قد شد الرحال ومضى في طريقه. . . إلى لقاء الله!
لقيت المازني أول لقاء وآخر لقاء بمكتب الأستاذ توفيق الحكيم في (أخبار اليوم)، وكان ذلك منذ شهور. . . وحين دخلت الحجرة لم يكن بها غير بضعة أشخاص ما لبثوا أن استأذنوا مودعين وبقينا نحن الثلاثة: المازني وتوفيق الحكيم وأنا. . . ومضينا نطرق من أبواب الحديث ما شاءت السياسة والأدب والفن، متفقين حيناً ومختلفين حيناً آخر، ثم شاءت الظروف أن نعرض لمشكلة طال حولها الجدل بيني وبين المازني حيث قنع توفيق الحكيم بالإنصات ومضى يرقب نهاية الشوط بصبر لا ينفذ.
كان - رحمه الله - إنساناً جم الأدب في نقاشه، مهذب العبارة، مشرق اللمحة، لبقاً في التخفيف من حدة الجدل بالبسمة العذبة والنكتة البارعة، ولكن القضية كانت قضية بعدت فيها الشقة بين نظرتين: نظرة الشيوخ ونظرة الشباب، أو نظرة الأمس ممثلة في الماضي القريب، ونظرة اليوم ممثلة في الحاضر المشهود. وكأنما ضاق المازني بحجج محدثه فراح يسأل عنه توفيق الحكيم!. . .
ونظر إليه توفيق الحكيم في شئ من الدهشة وهو يقول: لقد ظننتك تعرفه حق المعرفة، ومن هنا لم يخطر لي أن أقدم كلاً منكما للآخر. . . هذا (فلان) كاتب (التعقيبات) في