للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الرسالة.

ورأيت المازني - رحمه الله - يمد إلي يده مصافحاً في حرارة، مصافحاً للمرة الثانية وهو يقول: معذرة، فأنا أقرأ لك ولا أراك! ومن العجيب أنك ثائر هنا وثائر هناك! ولكن لماذا تهاجم بعض من أعزهم من حين إلى حين. . . لماذا تهاجم العقاد مثلاً وفضله على الثقافة والأدب لا ينكر؟!

وأجبت وعلى فمي ابتسامة تسجل للمازني معاني الوفاء: ومن قال لك أني أنكر هذا الفضل؟ أنا أول من يعترف به، وإذا كنت قد هاجمت العقاد يوماً فلأنني أقدره، وكذلك الأمر بالنسبة إلى طه حسين وتوفيق الحكيم!

وكأنما أعجب المازني بهذا الجواب فارتسمت معالم السرور على وجهه، ثم قال وهو يغرق في الضحك ونغرق معه: هل أفهم من هذا أن ليس لي عندك منزلة هؤلاء السادة لأنك لم تهاجمني حتى الآن؟!

فقلت معقباً على اللفتة الرائعة: معاذ الله يا صديقي، أنك سترغمني إرغاماً على أن أقول عنك ما في نفسي إثباتاً لتقديري لك!

ويهتف المازني والابتسامة العذبة لا تفارق شفتيه: أنا أدرى الناس بما يمكن أن تقوله عني. . . ستقول إن المازني كان بالأمس خيراً منه اليوم، وإنه ترك زمرة الأدباء وانضم إلى زمرة الصحفيين، وإنه يكتب في كل مكان، ويكتب في كل شئ، حتى أصبح تاجر مقالات يهمه ملاحقة السوق أكثر مما تهمه جودة البضاعة، أليس كذلك؟. . . ولكن لا تنس أن الأديب في (بلدكم) مجبر على أن يسلك هذا الطريق ليكسب عيشه وعيش أولاده، وليستطيع أن يحيا حياة كريمة تشعره بأنه إنسان. . . ترى هل بقي شيء يمكن أن تقوله؟

فأجبت وأنا مأخوذ بصراحته المحببة وتواضعه الجم: نعم، بقي أن المازني لم يهتد حتى الآن إلى خير ملكاته، خيرها على الإطلاق. . . لو عرف المازني أن معدنه القصصي من أنفس المعادن لأفسح الطريق لملكته القاصة، ولغدا في ميدان القصة وهو قمة من القمم. . . لقد قلت ذلك لتوفيق الحكيم أكثر من مرة فكان يوافقني كل الموافقة!

وضحك المازني وهو يقول: هذا حق، ولكنك تريدني على أن أكون منافساً يسد الطريق في وجه توفيق الحكيم. . . لا يا سيدي، أنا لا أحب أن أرزاق الناس!

<<  <  ج:
ص:  >  >>