في أوربا تقل قيود المرأة وتقل قيود الفنان، ولكننا يندر أن نرى امرأة ممن عاشرن الأدباء ورجال الفنون على شرط الجمال الأوفى عند أولئك الأدباء والفنانين، وهم كما نعلم نقاد الجمال وخلاقو المقاييس والآراء فيه.
وقد رأينا صور النساء اللواتي عاشرن بيرون وجيتي وداننزيو، وهم قبل كل شيء من طبقة النبلاء أو يعيشون في تلك الطبقة ويتنقلون حياتهم بين الأمراء وأميرات، وهم بعد هذا شعراء (عالميون) استفاضت شهرتهم في البلاد الأوربية وغير الأوربية، وهم بعد هذا أرفع أمثالهم ذوقاً وأدباً وقدرة على الانتقاء صنوف الجمال، ومنهم من لعب بالمال لعبا وساح في الأرض وهام بالنساء.
ومع هذا يندر كما قلنا أن تجد بين حبائبهم ومواصفاتهم من هي على شرط الجمال الأوفى عندهم وعند ممن يشابهونهم ويتوسلون بأشباه وسائلهم.
وسبب ذلك معروف لا ينبغي أن نستغربه ولا أن نحار في تعليله، فان الدواعي التي تدعو الرجال إلى المرأة أو تدعو المرأة إلى الرجل كثيرة غير الجمال في صفاته العليا، فمنها الذكاء، فقد تكون المرأة ذكية وهي قليلة الحظ من الجمال، أو غبية وهي أجمل من ترى العيون؛ ومنها العطف، فقد ينجذب الرجل إلى المرأة، العطوف وينفر من المرأة الشموس وهي سيدة النساء في جمال الوجوه والأجسام؛ ومنها المركز الاجتماعي، ومنها الرغبة الجنسية، ومنها الغرابة التي تستهوي الرجال حين لا تستهويهم المحاسن والأخلاق؛ ومنها التنافس على الغلب كما يتنافس الفرسان على قصبة وهي من سقط المتاع.
فإذا وصف الشعراء امرأة أو أحبوها فليس باللازم أن تكون هذه المرأة طرازهم الأعلى في محاسن النساء وشرائط الجمال بله الطراز الذي يتفق عليه جميع الناس، وتتلاقى عنده جميع الآراء، وتتوافى لديه جميع الفلسفات. وإذا قلنا إن الجسم الجميل هو الجسم الذي لا فضول فيه والذي يحمل كل عضو من أعضائه نفسه غير محمول على سواه، ثم رأينا ألف امرأة على غير هذه الصفة ممن أحبهم ملوك الذوق وأساتذة الفنون فليس ذلك بمانع صحة التعريف ولا بناقض صواب الرأي، لان (ملوك الذوق وأساتذة الفنون هنا) كالقاضي خارج