قلنا في حديثنا الماضي إن الطور الثالث (للقضية العربية) يبدأ بإعلان الثورة الكبرى رسمياً يوم ١٠ يونيو عام ١٩١٦، ونزول العرب إلى ميادين الصراع والكفاح، وينتهي بإرسال الحسين بلاغه ما أجملناه أمس، ونقول: إن (القضية العربية) كانت في خلال هذه المرحلة - وقد امتدت عامين ونيفا - عرضة لتيارات مختلفة، وعوامل متناقضة، لأنها أعظم الأطوار التي اجتازتها شأناً. وقد ظن بها الكثيرون من كبار السياسيين الظنون، واعتقدوا أنه قد لا يكتب لها التغلب على المصاعب التي أحدقت بها من كل جانب، فكان جمال السفاح يهاجمها من الداخل بكل قواه، ويبذل جهوده للقضاء عليها، والتخلص منها فيتم بذلك عمله الأصلي، ويقضي على كل حركة عربية، فينال إكليل الغار والظفر. ولا ريب أن فشله في احتلال مكة وفي إنقاذ الحجاز أفقده ما كان يتمتع به من نفوذ في دوائر الأستانة، وجعل حكومتها تقلص ظله، وتنقص سلطته تدريجياً حتى جردته من كل حول وطول، فطلب أن يقال، وكانت الحرب في عامها الثالث، فأقيل وعاد حزيناً مغموماً إلى الاستانة، يعض كفيه شجناً وأسى، وقبع في وزارة الحربية هناك ينتظر ما خبأه له القدر، ولم يطل به المقام حتى فرّ إلى روسية فعاش فيها شريداً طريداً، ومات قتيلاً منبوذاً، وتلك عقبى الطاغين
ويجب علينا أن نعترف في هذا المقام أن معظم الفضل في إنقاذ الثورة، بل في إنقاذ القضية العربية في هذا الدور يعود إلى الجهود الخاصة التي بذلها الحسين وأولاده في الأشهر الأولى للثورة الكبرى، ولولا ذلك لتم لفخري باشا القائد التركي العام بلوغ مكة، واحتلالها، والقضاء على الثورة في مهدها
وعلى كل حال لابد لنا قبل الحديث عن حوادث الثورة ووقائعها، من دراسة مقدمات هذه الثورة وأسبابها وعواملها فقد يساعد هذا الدرس - كما نعتقد - على استخراج نتائج إيجابية تنير السبيل، وتجلي الحقيقة عن ثورة العرب الجبارة
وإذا أردنا البحث عن أسباب الثورة ومقدماتها، يجب علينا قبل كل شيء، استعراض