للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين]

لصاحب الفضيلة الأستاذ محمود شلتوت

(وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فنفرق

بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).

يقاسى العالم اليوم ألواناً من الشرور والمفاسد، ويكابد أصنافا من الآلام والمتعب، تقض عليه مضاجع الأمن والاستقرار، وتزلزل كيان الطمأنينة والسعادة في الأفراد والجماعة. وما مثل الناس في هذا الزمان إلا كمثل قوم في سفينة أخذتها الأعاصير من كل جانب، واضطربت في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض، يكاد اليم يبتلعها بمن فيها؛ أو كمثل قوم حوصروا بالنار ذات الوقود في بيت مغلق النوافذ وقد تقطعت بهم الأسباب، وجمدوا في أماكنهم شاخصة أبصارهم يشهدون الهام النار لمتاعهم ونفائسهم وأموالهم وأبنائهم وأنفسهم، ثم لا يستطيعون أن يحركوا ساكناً، ولا يلتمسوا طريقاً للخلاص، سوى الصياح والعويل والاستغاثة من الخطر الذي داهمهم وحل بدارهم!!

وليس لهذه النكبة فيما يرى عقلاء العالم من سر سوى انسياق الناس في حياتهم مع نظم وضعها الإنسان وأملتها عليه الشهوات والنزعات، لم تبن على مصالح البشر ولم يلاحظ فيها مقتضى الطبيعة الإنسانية التي تفترض المساواة في الحقوق والواجبات، فجاءت مختلفة باختلاف بواعثها، مضطربة باضطراب ألوانها وغاياتها، متنازعة بالعصبية لها، والتناحر عليها، كل أمة تعمل جاهدة على أن يسود نظامها، وتعلو كلمتها، ويستقر في العالم سلطانها، وتصبح ذات السيادة المطلقة، والكلمة النافذة، فمن نازية إلى فاشية إلى شيوعية إلى رأسمالية إلى ديمقراطية، إلى اشتراكية، إلى غير ذلك من ألوان ما أنزل الله بها من سلطان.

فمن الطبيعي وهذا شأنها وشأن واضعيها والمتعصبين لها ان تقضى بالعالم إلى هذا الشر المتفاقم، وأن توقد نيران الحروب في جميع أرجائه، ما بين حرب تصلى الشعوب نيرانها، وتدمر البلاد والديار أسلحتها، وحرب باردة تأتي على الهدوء والسكينة، فتزلزل الأمن

<<  <  ج:
ص:  >  >>