شاء ربك لا من فيالأرضكلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟) واحترام عقائد أهل الكتاب، وضمن لهم حرية العبادة وأمان العيش وعدل القضاء، وأمر الولاة أن يرعوهم ويعطفوا عليهم، وأوصى المسلمون أن يبروهم ويقسط إليهم ثم أعلن الإسلام حرية الفكر والرأي فلم يقبل إيمان المقلد ولا حكم المستبد، وأمر بالنظر في ملكوت السماوات والأرض، ووسع صدره لأهل السياسة حتى تعددت الأحزاب، ولأهل الجدل حتى كثرت الفرق، والرجال الفقه حتى تنوعت المذاهب. وسمح لأهل الذمة وأصحاب النحل أن يدعوا إلى أديانهم ويدفعوا عنها في المدارس والمجالس والبيع، ونهانا ألا نجادلهم إلا بالتي هي أحسن.
ثم احترام الملكية وثبت لها الأصول، ونظم المواريث ورتب عليها التعامل. وهذه هي جماع الحقوق الطبيعية التي كفلها الإسلام للإنسان على اختلاف ألوانه وأوطانه وألسنته. أعلنها محمد بن عبد الله منذ ثلاثة عشر قرناً ونصف قرن، والأمر يومئذ للجهالة، والرأي للضلالة، والحكم للطغيان، فأنقذ بها الإنسانية من إسار المادية والعصبية والأثرة، ثم أكرمها ونعمها وهداها الطريق المستقيم إلى نظام أكمل وعالم أفضل وحياة أسعد. ولكن الإنسانية وا أسفاه أضلت هذا السبيل! أضلها أولئك المنافقون الذين يعلنون لها اليوم هذه الحقوق، وهم يسرون في أنفسهم تأكيد الامتيازات وتأييد الفروق!