طالما صحت قائلاً: إن الدولة لا تنظر إلى الأدب بعين الجد، بل إنه عندها شيء وهمي لا وجود له ولا حساب. وأقول اليوم إن الأدباء أنفسهم لا يريدون أن يحملوا الدولة على الإيمان بحقيقة الأدب. بل إن الآداب وقد أنكرتهم الدولة وأنكرت بضاعتهم لم يفعلوا شيء ولم يبدوا حراكا. بل إن الأمر قد بلغ من السوء حداً رأى فيه الآداب نتائج أذهانهم يسقط في التراب كما تسقط ثمار الشجرة الناضجة، فلا يتحركون ولا يصيحون في الناس: أن اقبلوا واجمعوا هذه الفاكهة وانتفعوا بها واطلبوا المزيد حتى تنشط الشجرة للأثمار ولا يجف ماؤها من الترك والإهمال. من العجب أن يلحظ الأدباء أن ثمار مواهبهم لا تصل إلى أيدي كثيرة فلا يجتمعون ليبحثوا هذه المشكلة. ومن العجب أنهم يرون أن زبده جهودهم تتلقفها أيدي الوسطاء من التجار الذين يتربصون بهم كما تتربص جوارح الطير بصغار العصافير فلا يحاولون المداولة فيما بينهم للخلاص من هذا المصير. إن انعدام روح النظام بين الأدباء وتفرق شملهم وانصرافهم عن النظر فيما يربطهم جميعاً من مصالح وما يعنيهم جميعاً من مسائل قد فوت عليهم النفع المادي والأدبي، وجعلهم فئة لا خطر لها ولا وزن في نظر الدولة، ولقمة باردة سائغة في فم التجار والوسطاء. تلك حال الناضجين المعروفين من أدبائنا، أولئك الذين يتخذهم الناشئون من الأدباء مطمحاً لأنظارهم، ويرون فيهم حلماً ذهبياً جميلاً، ويتحرقون عجلة وشوقاً لبلوغ مراتبهم، ويتوسلون إليهم أن يأخذوا بأيديهم ويقودوهم في هذا الطريق. . .
واجب الأمانة يدعوني أن أصارح الناشيئن: إياكم أن تعقدوا الآمال الكبار على الأدب في بلادنا اليوم، إذا أستمر الحال على ما ترون. فما أرض الأدب الآن سوى مستنقع مهمل، حرام أن تلقى فيه بذور. وحسبكم تلك الزهرات القليلة الوحشية التي نبتت من تلقاء نفسها على حواشيه فلم يأبه لها أحد ولم يعن بتعهدها وريها إنسان!