ولست أقول إن الإنسان شرير بطبيعته، فليست المسألة مسألة خير أو شر، وإنما هي طباع فيه وفطرة يبنى عليها، والطباع لأخير ولا شر، وإنما وهي طباع. وقد أحتاج الإنسان إلى مقدار من النظام لما أحتاج أن يعيش في جماعته، والجماعة لا تصلح بالانطلاق مع السجية، وإنما تصلح بإقامة حدود وعلى أن روح الجماعة ليس فيها لأخير ولا رحمة ولا رفق ولا شئ مما يجري هذا المجرى، والشر الذي يذعر الفردَ مجرد التفكير في ارتكابه تقدم عليه الجماعة وهي ترقص وتباهي، وهذا ما يحدث في الثورات. وقد رأيت بعيني جماعة حانقت في أبان الثورة المصرية تمزق رجلاً بأيديها فوليت هارباً من هذا المنظر. وما أظن أن أقسى فرد يستطيع أن يفعل ذلك وهو وحدة. وأحسب إن الذي يرد الجماعة إلى الطبيعة الحيوانية وهو أن الطباع الحيوانية المشتركة - وهي واحدة - تتغلب على المزايا المكتسبة التي تزعمها صفات إنسانية - وهي متفاوتة
وما زالت القاعدة الحسابية هي صحيحة، أعني أن الذي يقبل الجمع هو المتشابه لا المختلف؛ ولست تستطيع أن تقول إن عندك أربع تفاحات وأنت تعني أن عندك تفاحتين وبرتقالتين ومن هنا ذهب ماكس نوردو بحق إلى أن برلماناً من أعظم الرجال مثل جوته وشكسبير ونابليون الخ لا يكون خيراً برلمان من الأوساط العاديين: لأن برلماناً هكذا يكون مؤلفاً من مائة صفه مشتركة تتغلب على كل مزية مفردة لكل واحد من هؤلاء العظماء
ولست أذم أو أمدح، وإنما أصف الواقع، والواقع أيضاً أن المدينة معناها التنظيم، أي الكبح والصقل ودفع الحياة في المجاري التي هي أصلح للجماعة وأجلب لخيرها