للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أفانين]

بين الخوارزمي والهمذاني

للأستاذ علي الجندي

- ٢ -

حين اطمأنَّ المجلس بالشهود في دار النقيب، تطالّت الأعناق، وشخصت الأبصار، وانتصبت الآذان! فافتتح البديع المساجلة بكلام يجمع بين التهكم والتوريط!: إنما دعوناك لتملأ المجلس فوائد، وتذكر الأبيات الشوارد، والأمثال الفوارد، ونناجيك فنسعد بما عندك، وتسألنا فتُسرَّ بما عندنا. ونبدأ بالفن الذي ملكت زمامه، وطار به صيتك: وهو الحفظ إن شئت، والنظم إن أردت، والنثر إن اخترت، والبديهة إن نشِطت، فهذه دعواك التي تملأ منها فاك!

وقد حسب الخوارزمي حساباً لشيخوخته، فخاف أن تكبو به قريحته في الحفظ والنثر، فآثر المبادهة بالشعر

فقال البديع: الأمر أمرك يا أستاذ

فأجابه الخوارزمي: أقول لك ما قال موسى للسَّحَرة: (بل ألقوا)

فأخذ كل منهما دواة وقلماً، وخط البديع أبياتاً مدح فيها السيد نقيب الأشراف، وفخر بنفسه ما شاء، وأوسع الخوارزمي ذمَّا وسخرياً! منها:

والشعر أصعب مذهباً ومصاعداً ... من أن يكون مطيعُه في فَكَّه

والنظم بحر، والخواطر مَعَبرٌ ... فانظر إلى بحر القريض وفُلْكه

فمتى تراني في القريض مقصِّراً ... عرضّت أذنْ الإمتحان لعَرْكه

أصغوا إلى الشعر الذي نظّمته ... كالدرّ رُصِّع في مَجرَّة سِلكه

فمتى عجزت عن القريض بداهة ... فدمي الحلال له إباحة سفكه

ونظم الخوارزمي أبياتاً امتنع عن إبرازها فيما يقول الرواة، فقال البديع له: إن البيت لقائله كالولد لناجله، فما لك تعقّ ابنك وتضيمه؟ أبرزها للعيون، وخلصها من الظنون، أما تستحي أن يكون السِّنَّور أعقل منك لأنه يجعُرُ فيغطيه بالتراب؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>