للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

وتفضلوا بقبول احترامي

القصصي الروسي سالتيكوف

كانا في قوت ما يشغلان منصبين من مناصب الحومة

وكان كلاهما فارغ الرأس. ومن أجل ذلك وعلى غرة منهما وجدا نفسيهما (يشحنان) إلى جزيرة غير مأهولة كأنما ينقلهما إليها بساط سليمان.

وكانا قد قضيا عمريهما في ديوان حكومي نشأ فيه وتربيا وشابا؛ وكأنما قد ولدا به أيضا. وهما من أجل ذلك لا يعرفان أي شيء لا يتصل بأعمالهما، وكل الذي يعرفانه ينحصر في الصيغ الديوانية المألوفة التي تنتهي بهذه الجملة (وتفضلوا بقبول احترامي).

لكن هذا الديوان ألغي وأقالتهما الحكومة فهاجرا، بعد أن أطلق سراحيهما، إلى شارع بوديشسكايا في بطرسبورج، وكان لكل منهما فيه منزل وطاهية ومعاشه.

ولما استيقظا من النوم في الجزيرة التي (شحنا) إليها، وجدا نفسيهما نائمين تحت لحاف واحد. ولم يفهما بالطبع في البداية ماذا أصابهما؛ فأخذا يتكلمان كمل لو كان الأمر بينهما يجري على عادته.

قال أحدهما: (ما أغرب الحلم الذي رأيته ليلة الأمس يا صاحب السعادة! لقد رأيت في الحلم أني نقلت إلى جزيرة غير مأهولة).

لكنه ما كاد ينطق بهذه الكلمات حتى وثب من مكانه ووثب الموظف الآخر أيضا، وقال في دهشة شديدة: (ولكن أين نحن الآن؟ وهل كان ما رأيناه حلما؟).

ولمس كل منهما الآخر ليستوثق هل هو في حلم أم يقظة. وكان أمامهما المحيط، ووراءهما متسع قليل من الأرض خلفه المحيط أيضا، فبكيا لأول مرة بعد أن ألغى ديوانهما.

ونظر كلاهما إلى الآخر فرآه لا يرتدي إلا قميص النوم وقد علقت في جيده صفيحة عليها رقم. وقال أحدهما: (الآن موعد تناول القهوة، ولكن من لنا بها الآن؟) ثم عاد إلى البكاء وقال: (ما الذي نفعله يا صاحب السعادة؟ إننا لو كتبنا تقريرا فكيف نبعث به؟).

فأجابه الموظف الآخر: (سأخبرك بالذي يجب أن نفعله يا صاحب السعادة: أنا أذهب شرقا وأنت تذهب غربا، ثم نعود إلى الاجتماع هنا، وإذا اهتدى أحدنا إلى رأي تشاورنا فيه)

<<  <  ج:
ص:  >  >>