للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهنا اختلفا في تعرف الشرق والغرب وتذكرا قول رئيس الديوان:

(إذا أرت أن تعرف الشرق فاجعل الشمال أمامك، فالذي على يمينك عند ذلك هو الشرق)، ولكنهما لما أرادا أن يعرفا أين هو الشمال اتجها نحو كل الجهات دون أن يهتديا إليه. ولأنهما قضيا كل حياتهما في دار المحفوظات؛ فقد ذهب مجهودهما هذا عبثا

وقال أحدهما: (أرى يا صحاب السعادة أن يذهب أحدنا إلى اليسار والآخر إلى اليمين)

وكان هذا الموظف قد اشتغل فضلا عن عمله في دار المحفوظات بتدريس علم الخط وقتا ما، فهو لذلك أذكى قليلا من صاحبه.

وكان كما اقترح. أما الموظف الذي إلى أليمين فوجد أشجار تحمل كل أنواع الفاكهة؛ وكان بوده لو يستطيع تناول تفاحة، ولكن الثمر كان شديد العلو فلا يستطيع الحصول عليه إلا إذا تسلق الشجر. وقد حاول أن يتسلق إحداها، ولكن ذهبت محاولته سدى. وكل الذي نجح فيه أن مزق قميص نومه.

وألقى نظرة على الماء فرآه ممتلئا بالسمك، فتمنى لو أن كل ما فيه من سمك معروض للبيع بشارع بودشسكايا. ولما مر هذا الخاطر بذهنه جرى لعابه، ومشى في الغابة، فرأى كل أنواع الطيور والأرانب والغزلان فقال:

(يا رب ما أكثر رزقك وما أقل قدرتنا على الحصول عليه!)

واشتدت عليه وطأة الجوع. وعاد إلى المكان الذي اتفق مع صاحبه على لقائه فيه فوجده في انتظاره.

قال: (ماذا وجدت يا صاحب السعادة؟) فأجابه صاحبه: (لم أجد غير عدد قديم من جريدة الوقائع الرسمية): فأخذ يحدثه عما وجده هو. وجلس الموظفان، ثم حاول كل منها أن ينام ولكن خلو معدتيهما من الطعام سبب لهما أرقا شديداً. وكان من أسباب الأرق أيضاً تفكيرهما في المعاش المرتب لكل منهما، وفيما يتقاضاه عنها الآن فيتمتع به دونهما. وكان من أسباب الأرق فضلا عن ذلك تفكيرهما فيما بالجزيرة من سمك وسماني وأرانب وفاكهة وإن ليس في مقدورهما الحصول على شيء منها. قال أحد الموظفين: لا أعرف كيف نعيش هنا؟ إننا حتى لو استطعنا الحصول على طائر فكيف نذبحه وننظفه ونطبخه؟ كيف يحدث كل ذلك؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>