كان توماس هوبز (١٥٨٨ - ١٦٧٩) المولود في مالمسبرى، من أعمال ولتشاير، صديقاً مخلصاً لآل ستيوارت، وكان ذا حظوة عندهم، بفضل نفوذ تلميذه اللود كافندس.
وقد غاب فيلسوفنا عن وطنه ثلاثة عشر عاماً، فلما عاد إليه انقطع للبحث والتأليف.
غطت شهرة هوبز كمؤلف سياسي وأخلاقي - إلى حد ما - على شهرته كأنطلوجي ونفساني؛ وبغير الحق، فانه السابق إلى المادية، والنقد، والوضعية الحديثة.
يحد هوبز الفلسفة بأنها الاستدلال على المعلومات من العلل، وعلى العلل من المعلولات.
والتفلسف هو التفكير الصحيح؛ ولكن التفكير معناه (أن تركب وتحل التصورات أن تجمع أو تطرح، أن تحسب وتعد. فالتفكير الصحيح إذن هو تأليف ما يجب أن يؤلف، وتفريق ما يجب أن يفرق). ويلزم عن هذا أن الفلسفة ليس لها من موضوع سوى الأشياء القابلة للتركيب والتجزئة، وهي (الأجسام). أما الملائكة، والأشباح والأرواح المحض والله، فليست بموضوعات للفكر والعلم، ولا شأن للفلسفة بها، وإنما هي موضوعات للدين والإيمان، ومردها إلى اللاهوت. وبحسب انقسام الأجسام إلى أجسام طبيعية وصناعية، وأجسام أخلاقية وسياسية، تنقسم الفلسفة إلى: فلسفة طبيعية (المنطق، والأنطلوجيا، والرياضيات، والفيزياء) وفلسفة سياسية (الأخلاق والسياسة). والفيزياء والفلسفة الأخلاقية كلتاهما علم تجريبي، موضوعه الأجسام، وآلته الحس - الحس الظاهر للأول، والحس الباطن للثاني. وليس وراء علم الملاحظة من معرفة حقيقية.
إن هذه المقدمات تسلم هوبز إلى نظرية في الإدراك مادية من كل جهة. فالإدراك الباطن، الذي هو أساس حياتنا الفكرية وشرطها الأول، ليس إلا شعورنا أو إحساسنا بفعل الدماغ. فأن تفكر هو أن تحس والمعرفة تتكون من إضافة الأحاسيس. والإحساس، بعد، ليس إلا حركة تحصل في الجسم. ثم إن الذاكرة، التي تلازم الفكر، ليست شيئاً أكثر من ديمومة الإحساس؛ فتذكرك الشيء هو إحساسك بما سبق أن أحسست به. وليس من الممكن أن تعلل الاحساسات، على طريقة بعض القدماء، بأنها فيوض صادرة من الأجسام ومشابهة