لها. إن أشباح الأجسام هذه، أو - على حد تعبير المدرسين - (أنواعها المحسوسة والمعقولة)، لا تقل بطلاناً عن (الكيفيات المستورة) وأشباهها من فرضيات القرون الوسطى. وإنما الواجب أن نقول: إن الحركة البسيطة التي تثيرها الموضوعات الخارجية في المادة المحيطة بها تنتقل إلى الدماغ بواسطة الأعصاب.
وهوبز يقرر هنا حقيقة خطيرة، عرفها من قبل ديمقريطس، وبروتاغوراس وأرستبس؛ وهي أن الإدراك الحسي ذاتي بالكلية فإن ما ندركه - كالضوء مثلا - ليس موضوع خارجي ألبتة، وإنما هو حركة أو تكيف يحدث في المادة المخية. وليس أدل على ذلك من أننا نبصر ضوءاً إذا لُطمت العين، إذ ليس هذا الإحساس إلا نتيجة التهيج الحاصل في العصب البصري. وما يصدق على الضوء بوجه عام يصدق على تعيناته المختلفة التي هي الألوان. فالحواس إذن تخدعنا حين تلقى في روعنا أن الصوت والضوء والألوان تقوم خارج النفس. إن موضوعية الظواهر وهم خادع، وليست صفات الأشياء غير أعراض لاحقة بكياننا، وما من شيء موضوعي سوى الحركة التي تثير فينا هذه الأعراض، وهي حركة الأجسام الخارجية. . . إن فيلسوفنا ليستدل كما استدل بعده (بركلي)؛ بيد أن الأخير يسير بحجته إلى النهاية فإنه بعد أن يبدأ بمقدمات أهل الحس، ينتهي إلى إنكار وجود الأجسام، وإلى القول بالمثالية الذاتية. أما هوبز فيقف في منتصف الطريق، لأن شيئية المادة عنده عقيدة لا تقبل الشك.
أما النفس أو الروح فإنه يحدها أحياناً بأنها فعل الدماغ، وأحياناً بأنها مادة أو جوهر عصبي؛ ويقول في ذلك: إني أقصد بالروح جسماً فيزياوياً يلطف عن إدراك الحواس. أما الروح (اللاجسمانية) فحديث خرافة. والتوراة نفسها لا تذكر موجوداً من هذا القبيل. إن الإنسان لا يختلف عن الحيوان إلا بالدرجة، إذ كلاهما كائن جسماني. وإذا كان لنا من مزية حقيقية عن العجماوات، فتلك هي النطق. إنا، كهذه الأحياء الدنيا، لا خيار لنا فيما نفعل، وإنما تسيرنا شهوات لا تقاوم؛ وليس للعقل بغير انفعال، ولا للمبادئ الأخلاقية بغير جاذب مادي، أدنى تأثير في إرادة الإنسان؛ وإنما هي مدفوعة بالخيال وما يتوقعه، وبالعواطف والانفعالات: بالحب والبغض والخوف والرجاء.
نعم:(إن الفعل الإرادي هو الذي يصدر عن الإرادة)؛ ولكن الإرادة نفسها ليست (إرادية) -