بقلم الدكتور أحمد زكي وكيل كلية العلوم بالجامعة المصرية وعضو
اللجنة
لابد لمن يريد أن يفهم كيف نشأت لجنة التأليف والترجمة والنشر أن يرجع إذا أمكنه العمر، وأسعدته الذاكر، إلى حال مصر منذ عقدين، أي إلى عام ١٩١٤ حين تأسست اللجنة، لا، بل لابد له أن يرجع بذاكرته إلى عقد أو بعض عقد قبل ذلك، أيام كانت الكثرة من أعضاء اللجنة المؤسسين تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة، تلك السن الحساسة التي فيها يتصل اليافع بالحياة العامة لاول مرة، يتصل بها بقلبه اكثر من عقله، ويهتز عنيفا بحوادث قلما يفقه كنه أسبابها ومراميها. ففي تلك السنوات صاح أول صائح أسمع بالاستقلال، فسمعنا صوته خافتا في حجرات الفصول الابتدائية، أو سمعناه أكثر وضوحا وأعلى نبرة في حجرات الفصول الأولى من المدارس الثانوية، ثم شاء الله أن يذهب بصاحب الصوت ويؤثره بجواره، فكانت لانتقاله من الدار إلى الدار رنة جزع دوت في مصر والصعيد، وأنتجت ذلك المشهد الخالد الذي بدأ كالبحر الزاخر عند (لازوغلي)، ثم سال في شوارع القاهرة خاشعاً صامداً إلا صوتاً يوحد الله، فبلغ الصحراء وما زال في المنبع فيض، وأبت المدارس على الطلبة الخروج، فحطمت أبواب وفتحت قسرا نوافذ، ورأينا جبار المعارف يطل على المشهد الرهيب من وراء حجاب وهو لا يكاد يصدق عينيه
ذلك هو الحدث الأول الذي فتح للعيون الصغيرة أول كوة تطل منها على شيء يسمى وطنا، وعلى ناس فيه بائسين يسموني أهلا، وهو أول صدع في القلوب الصغيرة فتح فيها مدخلا لحب الخير ورعاية الغير، وقد كنا ربينا تربية من لون العصر الذي نعيش فيه، لا تعين على الأكثر إلا حب الذات، والاستعداد للرزق عن طريق المرتبات
وجاء من بعد ذلك هذا الحدث أحداث، ونحن نتماشى معها حدثاً حدثاً، وجاءت من بعد هذا