على الشرق، أو على تركيا ممثلة الشرق نوازل، ونحن نتبعها نازلة نازلة، فكانت حرب البلقان وكانت حرب الطليان، وجرت الشائعات بالمزعجات، وتجهم المستقبل، فغلت تلك القلوب الطرية الشابة، فكانت جماعات، وكانت اجتماعات، وكانت مظاهر للإخلاص لا تكون إلا في عهد النبوة، وحوادث للتجرد من منافع النفس لا تكون إلا بوحي السماء، وكانت أراء، وكانت خطط للمستقبل اتسعت لها قلوبنا الكبيرة، واتسعت لها كذلك رؤوسنا الصغيرة، وضاقت بها ممكنات الحياة، وأخذ العود اللين يشتد، والبصر القاصر يمتد، والرأي الفطير يختمر، والخيال العالي يهبط من لازورد السماء سواد الأرض، حتى جاءت الحرب العظمى، فلم يكن بد في مصر من طلب النهضة من أوثق السبل وأقربها من مظاهر المسالمة والسلام، من طريق بث العلم بكل وسائل البث، ونشر الثقافة بكل أساليب النشر، فتألفت لجنة التأليف والترجمة والشر من نفس ذلك النفر الذي كوته الحوادث، وصهرته التجارب، وميزته الآلام
(كم ربحنا من الحلبة هذا العام يا فريد؟) و (كم خسرنا في الفول يا يوسف؟) تلك كانت بضاعة اللجنة الأولى، وذلك رأس مالها الذي كان، جمعته من قروش بقدر ما سمحت به أكياسهم الخفيفة منذ عشرين عاما، ولم يكن لها مقر إلا بيوت متواضعة هي منازل أعضائها. وارتأوا تأليف الكتب المدرسية والشعبية، وفاضوا بينها، ونزلوا بحكم الحاجة إلى المال إلى أقرب الصنفين مكسبا، فبدأوا بالمدرسية، رجاء أن ينفق من أرباحها على الكتب الشعبية، فكان أول كتاب أخرجته كتاب (مبادئ الكيمياء للمدارس الثانوية)
هذه هي اللجنة إلى حين إنتاجها أول نتاج لها، وهذه إشارة خفيفة إلى تاريخ نشأتها، وفي تتبع تفصيلات هذه النشأة تتبع لبعض تفاصيل النهضة المصرية في ذلك الأوان، فليس تاريخ اللجنة تاريخ أفراد، ولو كان كذلك لهان، وإنما هو فصل موجز من تاريخ هذا البلد، وقطعة صغيرة من نهضة هذه الأمة، ومرآة يرى الرائي فيها بعض آثار ذلك الزمان.