للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[محمد بن عبد الملك الزيات]

للأستاذ عبد الطيف ثابت

(تتمة ما نشر في العدد ى٦١٢)

وكما يسرف محمد بن عبد الملك في الظلم والقسوة، فلا يكاد يقع تحت يده مأخوذ بجريرة حتى يعاقبه أشد العقاب، وينتقم منه أقسى الانتقام، ناسياً أن الله بالمرصاد لكل ظالم قاس، وأن الزمن يومان يوم له ويوم عليه - يسرف كذلك في انتقاد الشعراء والكتاب، يدفعه إلى هذا غلوه في اعتزازه بنفسه، وثقته بعلمه وأدبه، ناسياً أن له عيوباً ومثالب شأن كل إنسان، فإذا لم يرفق بمن ينتقدهم فليس يرفق به منقذوه.

كتب عبد الله بن الحسن الأصبهاني وهو على ديوان الرسائل إلى خالد بن يزيد (إن المعتصم ينفخ منك في غير فحم، ويخاطب أمراً غير ذي فهم) فلما وقف عليه محمد بن عبد الملك قال: (هذا كلام ساقط سخيف، جعل أمير المؤمنين ينفخ بالرزق كأنه حداد).

ثم كان أن كتب محمد بن عبد الملك إلى عبد الله بن طاهر يقول:

(وأنت تجري أمرك على الأربح فالأربح، والأرجح فالأرجح، لا تسعى بنقصان، ولا تميل برجحان). فقال عبد الله الأصبهاني: (الحمد لله قد أظهر سخافة اللفظ ما دل على رجوعه إلى صناعته من التجارة بذكره ربح السلع ورجحان الميزان ونقصان الكيل والخسران من رأس المال). فلم يلبث الأصفهاني أن انتصف منه، وقد حقدها عليه ابن الزيات حتى نكبه.

وذكر يحيى بن خاقان فانتقصه، وقال عنه: هو مهزول الألفاظ، عليل المعاني، سخيف العقل، ضعيف العقيدة، واهي العزم، مأفون الرأي. وهذا نقد، ولكنه ليس على الصورة التي ينبغي أن يكون عليها النقد. وهو ناقد ولكنه في الواقع لا ينقد، وإنما يسخر سخرية من يرى الناس دونه، ويتهكم تهكماً لاذعاً لا ترتاب في أن باعثه الحقد على من يرى لهم في سماء المجد الأدبي سطوعاً، كما يحقد على من تعلو درجاتهم في الحياة فيماثلونه في دولته أو يقاربونه. ولم يكن على رغم سلطانه وقوته ننجوة من التهكم به كما يتهكم، أو السخرية كما يسخر، ولعل أشد من تهكموا به وسخروا منه في جرأة المغيظ المحنق إبراهيم الصولي الذي يقول له:

أبا جعفر خف خفضة بعد رفعة ... وقصر قليلا عن مدى غلوائكا

<<  <  ج:
ص:  >  >>