كان والده من جلة كتاب الدولة الطولونية انتقل من بغداد إلى مصر، وكان من أهل المروءات والفضل، ونشأ ابنه أحمد في مصر كاتباً فصيحاً وشاعراً مجيداً، وحاسباً منجماً. وأصل آبائه من أقباط مصر على الغالب، وكان جدهم الأول سميه أحمد بن يوسف الكاتب وزير المأمون. ولأحمد هذا المعروف بابن الداية ثلاثة وعشرون مصنفاً فقدت ولم يبق منها فيما نحسب سوى قطعة من (كتاب المكافأة وحسن العقبى) تدل على علو كعبه في البلاغة وقد أثبت في كتاب المكافأة أخباراً في المكافأة عن الحسن والقبيح مما شاهده في عصره، وذكر قصصاً شهدها أو نقلت إليه عمن أحسن إلى إنسان فكوفئ على إحسانه، وساق في المكافأة على الحسن إحدى وثلاثين قصة، وفي المكافأة على القبيح إحدى وعشرين قصة، قال في آخرها: وإذ قد وفينا ما وعدناك به من أخبار المكافأة على الحسن والقبيح ما رجونا أن يكون ذلك عوناً للاستكثار من مواصلة الخير، وتطلب المعارفة في الحسن، وزجر النفس عن متابعة الشر، وإبعادها عن سورة الانتقام في القبيح وقد قالوا: الخير بالخير والبادئ أخير، والشر بالشر والبادئ أظلم - رأيت أن أصل ذلك حفظك الله بطرف من أخبار من ابتلي فصبر، فكان ثمرة صبره حسن العقبى، وأخبار حسن العقبى تسعة عشر خبراً سقط بعضها فيما يظهر.
قال من أخباره:(حدثنا أحمد بن أبى يعقوب قال: أنكر المهدي على هرثمة بن أعين (من أكبر قواد بني العباس) تحككه بمعن بن زائدة وأمر بنفيه إلى المغرب الأقصى، فكلمه الرشيد فيه واستل سخيمته عليه. ومات معن، وزادت حال هرثمة، وشكر للرشيد ما كان منه. وأفضت الخلافة إلى موسى الهادي فتمكن منه هرثمة. وحدثت الهادي نفسه بخلع الرشيد، وجمع الناس على تقليد ابنه العهد بعده، وعلم بهذا هرثمة، وتذكر عارفة الرشيد فتمارض. وجمع الهادي الناس ودعاهم إلى خلع الرشيد ونصب ابنه مكانه فأجابوه وحلفوا