[ندرة البطولة]
للأستاذ أحمد أمين
قالوا - إنا نتلفت يمنة ويسرة فلا نجد في عصرنا بطولة من جنس بطولة العصور الماضية، ولا نجد نبوغا رائعاً قوياً كنبوغ من نبغ في الأجيال السابقة. فتش - إذا شئت - في كل لون من ألوان البطولة، وفي كل ناحية من نواحي النبوغ تجد هذه الحقيقة واضحة
فهل تجد في الشعر أمثال بشار وأبي نواس وابن الرومي وابن المعتز وأبي العلاء؟
وهل تجد في النثر أمثال ابن المقفع والجاحظ وسهل بن هارون وعمر بن مسعدة؟
وهل تجد في قيادة الحروب أمثال خالد بن الوليد وأبي عبيدة؟
وهل تجد في سياسة الأمم أمثال عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز؟
وهل تجد في الغناء أمثال اسحق الموصلي وإبراهيم بن المهدي؟
وهل تجد مؤلفاً في الأغاني كأبي الفرج الأصفهاني؟
وما لنا نذهب بعيداً ويوم فقدنا السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده لم نجد عوضاً عنهما في العلم بالدين والأخلاق والسياسة؟
ويوم فقدنا البارودي وحافظاً وشوقي لم نجد لهم خلفاً في شعرائنا
ويوم فقدنا عبده الحمولي ومحمد عثمان نتبلغ من الغناء بالقليل
ويوم فقدنا الشيخ علي يوسف لم نر من يسد مسده في الصحافة
ومن الغريب أنهم يشكون في أوروبا شكايتنا، ويلاحظون عندهم ملاحظتنا، فيقولون أن ليس عندهم في حاضرهم أمثال فجنر وبيتهوفن، ولا أمثال شكسبير وجوته، ولا أمثال رفائيل ولا أمثال دارون وسبنسر، ولا أمثال نابليون وبسمارك
فهل هذه ظاهرة صحيحة؟ وان كانت فما سببها؟
قد كانت كل الظواهر تدل على إن الجيل الحاضر أحسن استعداداً وأكثر ملائمة لكثرة النبوغ وازدياد البطولة، فقد كثر العلم وسهل التعلم، ومهدت كل الوسائل للتربية والتثقيف، وكثر عدد المتعلمين في كل أمة، وفتح المجال أمام النساء كما فتح أمام الرجال، فأصبحت وسائل النبوغ ممهدة للجنسين على السواء، وتقطر العلم إلى العامة فأصبحوا يشاطرون العلماء بعض معلوماتهم، وانتشرت الصحف والمجلات تغذي جمهور الناس بالعلم والأدب،