للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٦ - الزندقة في عهد المهدي العباسي]

أصولها الفارسية

للأستاذ محمد خليفة التونسي

ذهبنا في المقال الخامس (الرسالة٦٥٢) إلى إن الفرس آمنوا بإلهين: أحدهما للنور والآخر للظلمة قبل أن يظهر فيهم زرادشت أول حكيم يعيه التاريخ من حكمائهم الأولين، وبينا أن المعتنقين لهذا المذهب قبل زرادشت هم الذين يسمون (الكيومرتيه) نسبة إلى كيومرت أبي االبشر في رأيهم مما يدل على إيمان الفرس يقدم هذا المذهب فيهم، وقد أوضحنا شيئاً من آراء هذه الفئة وعبادتها في المقال السابق.

لا خلاف في أن الفرقة الأولى من المجوس هي الكيومرتيه. فأي الفرق ظهر في التاريخ بعدها؟

كل الكتب التي بين يدينا والتي تعرضت لهذه الموضوعات من طريق مباشر لا تجيب جواباً صريحاً على هذا السؤال، وتجدها تذكر الكيومرتيه والمجوسية والثنوية والزنادقة والزرادشتية والمانوية والمزدكية ولكنها لا تحدد تمام التحديد مكان هذه الوظائف من حيث ظهورها في التاريخ وإن حدثتنا أنه قد ظهر زرادشت وتلاه ماني ثم مزدك. ثم نسأل ما المراد بكل كلمة من هذه الكلمات، وماذا تمتاز به تعاليم كل طائفة عن مثلها؟ هذا على فرض أن هذه الكلمات ليست مترادفة ولا مشتركة ولا متداخلة. فأن كانت مترادفة أو مشتركة أو متداخلة فكيف تترادف أو تشترك أو تتداخل؟

إن النصوص التي بين أيدينا فيها كثير من الاضطراب والخلاف، فالمجوسية تطلق أحياناً على كل المذاهب الفارسية، وتطلق أخرى على بعضها دون بعض، والزندقة تطلق على جميع الثنوية أحياناً وتطلق أخرى على طائفة من الثنوية، وهكذا، ثم إن الثنوية قد تذكر قبل الزرادشتية، وأحيانا تذكر دون أن يعين موضوعها في التاريخ إزاء الزداشتية وهكذا، ونحن مضطرون في معرفة معنى الزندقة ولا سيما في عهد المهدي العباسي وهي موضوع هذا البحث - مضطرون إلى فهم أصول التعاليم التي ظهر بها الزنادقة على عهده، وأذن فنحن مضطرون إلى فحص هذه المذاهب لبيان ما له أثر منها في هذه الزندقة وما ليس له اثر منها فيها. هذا وإن كثيراً من الكتب التي بين أيدينا تربك عقولنا لأنها تفاجئنا بآراء من

<<  <  ج:
ص:  >  >>