قرأت فيما قرأت كتيباً ألمانياً عنوانه (على هامش سفر الحياة) للأستاذ جرهار دامنتور، فيه عرض قوي صادق لمعيشة النساء اليومية المضنية، وقد ترى معي أن الحزن باد على هذا الجانب المظلم من الجنس اللطيف:(في سبيل مطالب الأسرة وحاجات الزوج والأولاد تفقد ربة البيت سناء جمالها، وتذهب غضارة وجهها، وتستهلك قوة بدنها، وتنخر مخ عظامها. فهذا السؤال الخالد المعاد (ماذا عسى أن نطبخ اليوم من طعام، ونهيئ من أدام) وذلك الاضطرار الملح إلى مسح البلاط، وتنظيف الغرف، ونفض الثياب، وغسل الأواني إنما، هما قطرة من ماء تتساقط دائمة دائبة، لا تفتأ تعمل في بطئ على انحلال جسد المرأة وعقلها حتى لا تبقى منها شيئاً، ولا تذر لها أثرا، وأمام الموقد المشبوب، في المطبخ المشؤوم يستحيل هذا المخلوق الصغير، الناصع الوردي، ذو الضحكة الساحقة البلورية إلى مومياء هزيلة سوداء تبعث في الرائي الكآبة والألم!! وبين يدي ذلك الوجاق الأدخن الأسخم، يطبخ عليه اللحم في القدر تناثرت ضحايا كريمة:(الشباب، الحرية، الجمال، اللذة).
هذه عبارات جرهار دامنتور، وهذا حظ الكثرة الغامرة في الدنيا من بنات حواء. فأن الحياة عسيرة ملتوية عليهن كما هي عسيرة ملتوية على الرجال، كل يئن من وعوثة الطريق ويرفع عقيرته بالشكوى والصراخ! ولو راح باحث يستعلم وجه العلة في ذلك لأيقن أن ليس في الإمكان أن يكون غير ما كان، وأن الحياة لا بد أن تكون مضنية لأن جميع مقوماتها ضئيلة تندر فوق كوكب صعب إنتاجه واستثماره؛ ولن يرجى تخفيف عبء الشقاء لأن أسباباً عميقة متغلغلة مصدرها شكل الأرض، وطبيعة تركيبها، ونوع نباتها وحيوانها تحتم وا أسفاه دوام هذا الحال، وتقتضي عسر المعاش إلى يوم القيامة. ومهما يكن من أمر توزيع العمل في الناس فأن جمهرة الرجال وعامة النساء لتنوء كواهلهم بحمل أعبائه، ولن ترى غير امرأتين أو ثلاث قد خلصن من متاعب البيت ثم تسللن إلى مواطن اللهو وخرجن إلى باحة الحياة ينشرن الظرف والجمال، على مواطن العطر الندى واللذة