إذا بلغ الإنسان الأربعين من عمره، وزحف منحدراً إلى الخمسين، شعر بتطور حاسم في مجرى حياته: هي فترة من العمر ظاهرة المعالم واضحة الحدود. قد يتجاهلها أناس فيمرون بها سراعاً ومن غير مبالاة. وقد يضطرب لها أناس فيحزنون أشد الحزن على شباب ولّى وأدبر بنضرته وروعته، وكهولة حلت بآثارها وأثقالها. وآخرون مثلي يقفون هنيهة، ويفكرون ثم يفكرون، ويودعون عهداً أدبر، ويستقبلون عهداً أقبل، ثم يبتسمون ويسيرون في الطريق المنحدر الذي يقاس بالأعوام، أو يقاس بالشهور والأيام. . . علم ذلك عند علام الغيوب
هي على كل حال فترة فاصلة حاسمة، تنطق بعبارة واضحة حازمة، لا لبس فيها ولا إبهام؛ إذ تقول:(أيها الرجل. قد انتهى شبابك. قد تضحك ساخراً؛ وقد تتحدى وتنكر، وتزعم أن رأسك لم يشتعل بعد شيباً، أو أن أسنانك سليمة، وقوتك عظيمة، وأنك في صحة الشباب وعافية الشباب. . . وإني لمصدقك؛ ولكن صدقني أنت كذلك: إنك لست الآن شاباً بل أنت كهل، فما رأيك؟)
والرأي هنا يتوقف على عوامل شتى أخص بالذكر منها اثنين أو ثلاثة:
(الأول) نظرة الإنسان إلى الحياة عامة
(الثاني) الحالة الباطنية أو الصحية
(الثالث) الحالة الظاهرة أو الشكلية
وما يعنيني الآن في هذا المقام أن أشرح هذه العوامل وأبين أثرها ومبلغ خطرها في تكوين الرأي؛ وإنما يعنيني (ونحن في زمن الحرب) أن أهجم على الموضوع هجوماً خاطفاً، فأقول: إني أحب الكهولة لأسباب أوجزها فيما يلي: