للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

البلاغة أن يدفع السأم ويحرك النشاط، فيوشي الحقيقة بخياله، ويحي الأسلوب بروحه، ويجذب القارئ بفنه. وفي هذه الحال يظهر فضل البلاغة على الفلسفة

وقد تكون المقاومة ضعيفة أو معدومة من جهة العقل؛ ولكنها تكون قوية عارمة من جهة النفس. فأنا لا أماري في أن هذا هو الحق ولكني أستثقله، أو هو الفضل ولكني استرذله، أو هو النفع ولكنه يجهد نفسي ويبهر قواي، أو هو العدل ولكنه يعارض نفعي ويصادم هواي. فجهد البلاغة هنا يجب أن يوجه إلى النفس من طريق التأثير، لا إلى العقل من طريق الإقناع

فإذا اجتمع على مقاومة البلاغة العقل والهوى: هذا بميله أو نفوره، وذاك بإصراره أو قصوره، كان هنا ميدانها الأول وجهادها الخطير. لقد حشد لها العدو جميع قواه فيجب أن تربع حجره وتستعد له. وهي على حسب ما تقتضيه الحال أما أن تهاجم الرأي فتخضع بخضوعه الإرادة كحالها مع القاضي، وإما أن تهاجم الإرادة فيخضع بخضوعها الرأي كحالها مع الجمهور

أما الغرض من تحليل هذا التعريف فهو تجلية المراد من قول البيانيين أن البلاغة هي مطابقة الكلام الفصيح لمقتضى الحال. فليست الأحوال المعروضة أو المفروضة إلا انفعالات العواطف في النفس، أو اتجاهات الخواطر في الذهن. وليست مقتضياتها إلا الصور البلاغية المناسبة التي يهتدي إليها البليغ بطبعه أو فنه فيؤثر بها في هذه العواطف أو في تلك الخواطر التأثير الذي يريد. . .

(للكلام بقية)

أحمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>