للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحديث ذو شجون]

للدكتور زكي مبارك

بعض ما علمتني الأيام - الشيخ عباس الجمل - فكاهة سياسية - كاريكاتور طريف - جناية الكتابة على الشعر والخطابة - كيف نعامل رجال الوعظ والارشاد.

بعض ما علمتني الأيام

تلقيت عن الأيام دروساً تفوق العدّ والإحصاء، وإن كنت قليل الانتفاع بتلك الدروس. . . وهل ينتفع جميع الناس بما يتعلمون؟ لو كان ذلك لصرتُ أحكم الحكماء، فلي من الدهر في كل يوم درسٌ جديد، مع الوعي الصحيح لما أسمع من دروس الزمان.

ولكني مع ذلك انتفعت بدرسٍ واحد، وأحب أن ينتفع به قرائي، فما هذا الدرس؟.

هو الخوف الشديد من أحاديث المجالس، فأنا لا أتكلم أبداً في الشؤون الدينية أو السياسية أو الاجتماعية حين أقابل الناس أو حين أزور الأندية في بعض الأحايين، لأني أعرف أن التزيد والتحريف صارا من عيوب بني آدم في هذه الأيام، ولا يجوز ائتمان مخلوقات هذا العصر على مكنون الأفكار والآراء، لأن حظهم من صدق الرواية صار غاية في الغثائة والهزال.

وذلك هو السر في إقلالي من غشيان الأندية والاتصال بالناس، حتى جاز اتهامي بالنقرة من بني آدم وإيثار العزلة والانفراد، مع أني في حقيقة الأمر رجلٌ ألوف، ولا أختار العزلة إلا طلباً للسلامة مع التزايد والافتراء.

فما العبرة من هذا الدرس؟ وما الذي أنصح به قرائي؟

أنا أرى أن نخاطب الناس عن طريق الجرائد والمجلات، أو عن طريق المؤلفات، فلا نعلن رأياً إلا وهو نص مكتوب بعجز عن تحريفه المفترون، وإلا فمن حق كل مخلوق أن يتزيد علينا كيف شاء.

إن النصوص المكتوبة لا تسلم من تحريف المغرضين، فكيف يسلم الكلام المرسل في أحد المجالس وفيها أوشاب لا تعيش إلا من الإفك والإرجاف؟.

إن التحريف الذي ابتُليتْ به آرائي المدوَّنة في مقالاتي ومؤلفاتي قد آذاني، فكيف يكون حالي لو أرسلت نفسي على سجيتها وحدثت الناس بما أراه في الأدب والحياة؟.

<<  <  ج:
ص:  >  >>