من الجريمة أن نحدّث الناس في شؤون يُخاف عليها من التحريف، ومن الجريمة أن يكون اللسان وحده أداة التعبير وهو لا يرسل غير لفظٍ وصفة القدماء بأنه عَرَضٌ سيَّال؟.
يجب أن يكون القلم أداة التعبير في دقائق الشؤون، لأنه يحدد أغراضنا تحديداً يمكن الاحتكامم إليه عند اشتجار الخلاف.
أَقِلّوا من أحاديث المجالس، يا قرائي، لتسلموا من أكاذيب المفترين، فما وثق أحد بالناس في غير حذر ولا احتراس إلا سقوه الصاب والعلقم، وأكرهوه على الوقوع في الخطيئة الدميمة وهي اليأس من الثقة بإخوان الزمان.
ما الموجب للثرثرة في الأندية والمجالس وعندنا من الجرائد والمجلات ما يتسع لنشر ما نريد من الأفكار والآراء؟.
إرحموا أنفسكم من أوزار التحريف لما يصدُر عنكم، واعرفوا جيداً أن المبادئ لا تخدَم بالقيل والقال بين أجواف الجُدران، وإنما تخدَم المبادئ بالقول الصريح الذي يعجز عن تحريفه أصحاب الأغراض المِراض.
ثم ماذا؟.
ثم أوصيكم بأن تكونوا رقباء على أنفسكم، فلا تقولوا في السر ما تعجزون عن نشره في العلانية، وما أوصيكم إلا بما أوصي به نفسي، فأنا لا أقول كلمة في مجلسٍ خاصْ إلا إذا عرفت أني أملك نشرها على الجمهور بلا تهيب ولا إشفاق، ولو شئت لقلت بدون أن يكذّبني أحد المكابرين. إن لساني في غاية من التلطف والترافق، وإن اشتهر قلمي بالشطط والجموح، وما كان ذلك كذلك إلا لأني أكره المواربة وأبغض الاستخفاء، وما حقد عليَّ حاقدٌ إلا بما قلت فيه بكلام منشور في الجرائد والمجلات يملك الرد عليه حين يشاء. أما إيذاء الناس في السر فلا أستطيعه أبداً لأن الله تباركت أسماؤه عصمني من رذيلة الاغتياب، فله الحمد وعليه الثناء.
الشيخ عباس الجمل
من أفظع الشواهد على أن أدباء مصر لا يعطف بعضهم على بعض، ولا يبكي أحدهم لكربة أخيه، ولا يسأل عنه حين يغيب، ولا يلتفت إليه إلا حين يسمع عَرَضاً أنه صار إلى بؤس أو نعيم. . . من افظع الشواهد على انعدام خلة الوفاء بين الأدباء المصريين أنهم لم