لله در هؤلاء العلماء الأخيار الذين اكرموا العلم فأكرمهم الله وجعل لهم منزلة تتصاغر دونها منزلة الملوك، وفروا إلى الله فحفظوا حدوده ولم يرضوا بالظلم لأن الراضي بالظلم كالظالم في الإثم - وهذا أمر قل من ينتبه إليه في هذا الزمان - فلا بد من إظهار الغضب والسخط على الظالم حتى يشهد بذلك له الخلق فيكون ذلك حجة له يوم القيامةوهو ما لم نسمع به من العلماء في عصرنا. وهناك أيها القارئ بعض أخبار العلماء الذين نصحوا لله ورسوله (فحفظهم وأعلى ذكرهم):
كان الإمام مالك رضي الله عنه يقول: لما أرسل إلى أبو جعفر المنصور دخلت عليه فرأيت النطع بين يديه والسيوف مسلولة وهو يعاتب ابن طاووس على أمور ثم قال له: ناولني الدواة فأبى؛ فقال له ما منعك؟ قال خشيت أن أكون شريكاً لك فيما تكتب. قال: فضممت ثيابي مخافة أن يصيبني دمه ثم قال له: اذهب إلى حال سبيلك. فلم أزل اعرف ذلك لأبن طاووس!
هذا وقد طلب أبو جعفر المنصور أيضاً صحبة ابن أبي ذئب فقال له بشرط أن تقبل نصحي. فقال له أبو جعفر نعم فصحبه. فقال له أبو جعفر يوماً: ما نقول في؟ فقال له: لا تعدل في الرعية ولا تقسم بالسوية. . فتغير وجه أبي جعفر فولى عن ابن أبي ذئب ولم يطق صحبته.
ومن ذلك أن هشام بن عبد الملك كان بمكة وطلب الاجتماع بطاووس اليماني فلم يجبه طاووس إلى ذلك. فعمل عليه الحيلة حتى اجتمع به. فلما دخل عليه طاووس لم يسلم عليه بسلام الخلفاء وإنما قال: السلام عليكم يا هشام! كيف حالك؟ وخلع نعليه بحاشية البساط وجلس بجانبه. فغضب هشام لذلك حتى هم بقتله. فقال له الوزير أنت يا أمير المؤمنين في حرم الله عز وجل. فقال هشام ما الذي حملك على ما صنعت؟ فقال ماذا صنعت؟ فقال خلعت نعليك بحاشية بساطي ولم تجلس بي يدي ولم تقبل يدي ولم تقل السلام عليكم يا أمير المؤمنين كما يقول غيرك، وسمتني باسمي ولم تكنني. فقال طاووس: أما ما فعلت من خلع نعلي بجانب بساطك فإني افعل ذلك كل يم خمس مرات بين يدي الله في بيته فلا