أشرت في فصل إلى الوقت الذي تكون فيه النفس أحسن تهيؤاً للحب وقلت أنه وقت الفتور الخفيف، لا النشاط ولا التعب الشديد. وقد رأيت أن كثيرين استغربوا هذا؛ فيحسن أن أبين ما أعني وأن أجلوه إذا استطعت. وخير وسيلة لذلك أن نضيق دائرة الاحتمالات وأن نسأل أنفسنا في أية ساعة يا ترى من ساعات الليل أو النهار يكون المرء أقوى استعداد نفس للحب؟. أيكون ذلك في الصباح حين ينهض المرء من النوم مستريحاً مجدد النفس موفور النشاط؟ أي على الريق؟. لا أظن! وأحسب أنه لو خطرت أمام المرء في هذه اللحظة أبرع الفتيات جمالاً، وأرشقهن قداً، وأسحرهن لحظاً، وأحلاهن ابتسامة، لما كان لجمالها من الوقع إلا أيسره. نعم يطرف المرء ويفرك عينيه ليستوثق من أنه ليس في حلم ولا يسعه بعد أن يوقن أن عينيه لم تخدعه إلا أن يعجب بالقد الرشيق والرونق البارع. وقد ينطق فيقول (ما شاء الله، سبحان ربي الخالق) ولكن الأمر يقف عند حد الإعجاب، أو قل إن السهم لا يستطيع أن ينفذ من اللحاف. وليس أحلى من أن يستطيع المرء أن يستأنف النوم بعد أن يستيقظ في البكور، فإن للنوم في هذه اللحظة إغراء لا أعرفه يكون له في ساعة أخرى؛ والرجل الذي يسعه أن يقاوم إغراء النوم في البكرة المطلولة لا أظن شيئاً آخر يعجزه. والجسم في هذه الساعة يكون مستريحاً إلى تفتير الراحة فيكون المرء مستيقظاً ولكن ينقصه النشاط الكافي والتنبه التام ومن هنا لا يحدث الحسن أثره لأنه لا يلاقي وعياً كاملاً.
أم ترى يكون الحب أسرع إلى النفس وأنفذ إلى القلب حين يخرج المرء في الصباح؟ لا أظن أيضاً! فإن القوى تكون مجددة والنفس منتعشة. ومعنى هذا أن نشاط الإنسان جم وأن قدرته على المقاومة تامة؛ ففي وسع الإنسان أن يعجب في هذه الساعة ما شاء من غير أن يقع في الشرك أو يصاب في مقتل. والحب مرض.
ومن الحقائق التي لا مكابرة فيها أنه كلما كان الجسم أصح كانت مقاومته للمرض أوفى وأكبر؛ وما من ساعة يكون فيها الجسم أوفر نشاطاً، وأعظم استجماماً، كساعة الصباح، بعد راحة النوم العميق الكافي، ومن كان يعرف أن أحداً أصيب بالحب في الفجر أو الصبح