للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أمام أبي الهول]

للأستاذ راجي الراعي

يا إله الصمت، ويا ملتقى الأسرار، ويا عقدة الألسنة، ويا مثال المتأملين!

أيها الأسد الرائع المتحفز منذ القدم للوثوب على فريسته التي لم يجدها بعد. . . يا ربيب الفراعنة، ويا رفيق (الأهرام)، ويا عجيبة المصريين. . . أيها المتكبر الجبار الذي لم يخفض رأسه لأحد في الدنيا، وقد مرت كلها من أمامه. . . يا مصيبة الثرثارين ويا محتج الحائرين. . . أيها الضاحك الباكي، السعيد البائس، الحائر المهتدي، الثمل الصاحي، القوي بأهرامه، الضعيف برماله، الجريء بصدره، الحكيم بلسانه. . . أيها البحر الذي تلاطمت فيه أمواج الأسرار ولم تنفث زبدها. . . أيها الناسك الذي لم يؤمن بالعالم فأقام في صومعة الرمال وأنقطع إلى ربه ونفسه، الناسك الأكبر، زعيم الناسكين، تدق له نواقيس الذكرى في أودية التاريخ التي تعاقبت عليه، ومن يستطيع أن يحصيها؟.

أيها الثمل بالذكريات غمرته بخمورها فلم يقو على العربدة، وكيف يعربد الغريق؟ وطوقته بجمالها وقبحها فجمد كالمجنون وتكأكأت عليه الخلائق. . .

أيها البطل الضائع الذي ازدحمت في بطولته مشاهد القرون على مختلف ضروبها وألوانها فضاق بها ذرعاً ولبث مكانه لا يبدي حراكاً. . .

أيها المبرد بوسادته الحجرية لظى المغرمين، المخجل برباطة جأشه المذعورين الفارين، المحطم بصخرة حيرته وشكه سفينة المهتدين، المخرس بفصاحة عينيه زمرة المعربدين، الهازئ بالعابرات والعابرين، الضاحك على الأذلاء الخانعين، الباكي على الضاحكين!.

يا أبا الهول الذي هالته نفسه فلم يعرف أين يضعها وكيف يعبر عنها، ويا فتنة النيل ورب الوادي. . . أيها الأمين الأكبر الذي يحمل مفاتيح التاريخ ولم يخن واجب الأمانة، أيها المبرم مع المجهول عهداً يحسده عليه المعلوم، أيها الغارق في لجج اللانهاية ولم يبلل ثوبه. . . أيها المبسوط في حجره المنكمش في تصلبه، أيها الطليق بعينيه السجين بين ألغازه، أيها الناظر إلينا نظرته الغريبة بين صممه وبكمه كأنه يفتش بين السماء والأرض عمن جاءه بالصمم وعقل لسانه ليصعقه ويضمه إلى قلب رماله. . .

أيها الواقف بين الماضي والمستقبل كأنه الصلة المفقودة التي نفتش عنها! أيها الرجل

<<  <  ج:
ص:  >  >>