العجيب الذي لم يتحرك بعد في هذا الجيل، والكهرباء تشع في وجهه، والطائرة تحلق فوق رأسه! أيها الصابر صبراً دهشت له الأرض التي تصبر على موتاها، ودهش له البحر الذي يصبر على غرقاه. . .
أتيتك بعد تلك القرون التي توالت على رأسك. . أتيتك في القرن العشرين متأخراً، وتفرست فيك، فخطرت لي النعوت والأسماء التي كسوتك بها. . . رأيتك بعيني ولا أدري بأي عين رآك أسلافي، وحرت فيك كما حاروا من قبلي، ورمتني الحيرة بين أمواج الخيال فتخبطت في أسرارك، وغرقت في أوصافك!.
ما هي حقيقتك يا سيدي وأين هي؟ وهل أنت تجهلني كما أجهلك؟ من أنا؟ أنظر إليَّ جيداً. . . أقوي أنا أم ضعيف؟ أسعيد أنا أم بائس؟ أنا كاتب يعرض في القراطيس رسوم النفس والحياة. . . فهل قلمي، وهل رأيت رسومي؟ هل أنت شاعر بي، أم أنت تنظر إليَّ وترى نفسك؟!
قل لي أبا الهول: ألأمسي أنا أم لغدي؟ وأين هو رقمي في جدول الإنسانية؟ وهل في جبيني السطر الذي تفتش عنه منذ القدم؟ أمصيب أنا في عقيدتي أم مخطيء؟ وهل الشعراء في نظرك هم الناس، وهل في صدرك القاسي فؤاد رحيم؟
أتيتك أسألك عن حقيقتك وحقيقتي، فهل من جواب يخرج من فمك ويريحني؟ أما تاقت نفسك يا صاحبي إلى الكلام ولو مرة واحدة، ألم تسأم الصمت؟؟
حدثني. . وأن كنت معقود اللسان، ففي عينيك الجاحظتين ألف بيان دفين. . . لا تخش أن تبوح لي بسرك، فقد هجرك الناس وجئتك وحدي، وفي هذا الدليل على حبي وإخلاصي. . .
إن في رأسك حلماً كبيراً قديماً حار فيه لسانك، وسقط تحت أثقاله صدرك، فجثمت مكانك صابراً صبر الأسياد لا صبر العبيد. . . لقد أقعدك حلمك عن السير، وملأ نفسك فلهوت به عن الناس. . .