حدثني أبا الهول: ما هذا الحلم الذي تنسج خيوطه على مهل؟ أما حان لك أن تستريح؟ لقد طال حلمك وطال صبري!
بماذا تفكر؟ أبالله وسمواته وكواكبه ونجومه، أم بالقرون التي مرت بك، أم بهذا العالم الفاني، أم بي؟؟
حدثني. . ولكن لا، ابق صامتاً، فإنني أخاف إذا تكلمت أن لا يقال بعد ذلك: هذا (أبو الهول). . . إن صمتك حديث الناس، وقد لا يكون حديثك حديثهم، فما يدريك أن تكون الكلمة الأولى التي تنطق بها وبالا عليك، ودليلاً على أنك لم تكن إلا حجراً. . ابق صامتاً. . . إن قوتك في صمتك. . . أنت ملك الصمت، فلا تخلع عرشك بيدك!
ولعلك فقهت معنى الحياة، فرأيت أن الصمت خير ما فيها، أنت صخرة اقتطعتها السماوات من جبال عظمتها وأمجادها، فكبرت نفسك حتى أنفت أن يكون اللسان بوقها وترجمانها ورسولها، وهل يصلح اللسان، هذا الثرثار الضعيف المزعج ليعبر عن أسرار النفس والطبيعة؟ هل يقوى على الثبات في ساحة النفس الكبيرة إذا ثار بركانها؟
انظر إلى الفيلسوف كيف يخرس ساعة يصطدم بالمجهول، وإلى الجندي كيف يُعقل لسانه ساعة يصطدم بالخطر ويصافح الموت، وإلى الفنان كيف يصمت صمته العميق ساعة يسحره الجمال، وتحتل الشاعرية أعماق قلبه. . . وانظر إلى الفقير الذي شرب ثمالات الكؤوس كيف يعجز عن النطق وفي فمه كل دموعه، وإلى المؤمن الناسك كيف يقطع لسانه ليتصل بالخالق، وإلى النسور والأسود كيف تأوي إلى عزلتها وصمتها وتترفع عن الخلائق. . .
أبق صامتاً، أبا الهول، فقد يكون في صدرك كثير من الحسد والضغينة والرياء والضعف والكبرياء والطمع واللؤم. . . وأنا لست بحاجة إلى نفث سمومها، فيكفيني ما ينساب في طريقي من الأفاعي. . . يكفيني هذا الإنسان الذي يوزع لسانه الشقاء في العالم ويكشف ما انطوى عليه صدره!
ابق صامتاً، فلا أدري ما وراء صمتك. . . إن كنت إنساناً فزميلك يكفيني، وإن كنت من جماعة (الأولب) فابق بين آلهتك. . .
ابق صامتاً، فالصمت أرحب من الكلام وأبلغ لأنه يحويه!