كنت أرجع إلى نابغة الأدب مصطفى صادق الرافعي في تفسير بعض آيات من القرآن الكريم لأستورى بذلك زند قريحته وأستدر ضرع بلاغته. وكان قلمه يجرى في هذا التفسير على القرطاس مسرعاً على غير عادته في سائر ما يكتب لي من رسائل مما يدل على تدفق المعاني التي يوحي بها إليه، وانثيالها من خاطره الفياض عليه. وإني أتحف قراء الرسالة الغراء بشيء من هذا التفسير البليغ المعجز.
محمود أبو ريه
تفسير آية (زين للناس حب الشهوات)
راجعت عن آية (زين للناس) تفسير الشيخ محمد عبده، وتفسير الألوسي فلم أر فيهما ما يهدي إلى السر في هذه الآية، والمفسرون جميعاً متفقون على أن (حب الشهوات) يراد به المشتهيات. والمعنى: زين للناس المشتهيات من النساء الخ، وهذا يجعل الآية موضع نقد ويذهب بسر التعبير (بحب الشهوات)
وإعجاز هذه الآية هو في لفظة (حب الشهوات، فلو قال: المشتهيات أو الشهوات، أو حب النساء لما كان ذلك شيئاً. والشهوات وظائف طبيعية في الناس فكونها زينت للناس أمر لا معنى له وليس فيد جديد؛ ولكن (تزيين حبها) هو السر كل السر لأن حبها هو سبيل الحرص عليها، والإكثار منها كالذي يجد مالا ينتفع به؛ فالمال في نفسه منفعة وليس في ذلك شيء عجيب؛ ولكن الذي يبتلى (بحب) المال تنقلب فيه هذه المنفعة ضرراً فيبخل ويبتلي بالحرص ثم يبتليه الحرص على المال بمحق حياته كلها.
فالشأن إذن ليس في المشتهيات ولا في الشهوات ولكن في (أحب الشهوات). ثم أن حب الشهوات متى كان سبباً في الحرص عليها والإكثار منها فهو خطأ وضرر، فإذا (زين) ذلك للإنسان كان أشد ضرراً وأمعن في باب الخطأ. وهذه هي حكمة استعمال (زين) فكأن هناك ثلاث درجات: الشهوة وهو عمل طبيعي، ثم حب الشهوة، وهذه إضافة جديدة من العقل تزيد فيها، ثم تزيين هذا الحب، وهي إضافة ثانية تزيد الزيادة وتضاعف الخطأ. وعلى هذا