كان لي عجب أن رأيت الأستاذ عباس محمود العقاد، على غير ما خيل إلي ونعت، فلما لقيته تهيبت جانبه وتحيرت في تحيته فوجدتني أدير على لساني كلاماً أستل به ملامة وقرت في نفسه يوم دفعت عن المرأة ما شاء الأستاذ الجليل أن يصمها به من الفثاثة في الفن والضآلة في العبقريات، وقد كنت في سوالف الخيال أحسبه قد بسط على منكبيه من أدبه المتين بردين من العنجهية والخيلاء؛ ولكن حين أتيت مصر سألت عنه من يعرفه فوصف لي بغير ما حسبت، ولما سمعته صغر الخبر الخبر
رجل حبار القامة، رفيع الهامة، وديع الطلعة، يفيض حديثه من علم عقله وشعور قلبه ووحي ضميره، ويمد ببصره إلى أغوار الكلام فيتناول لآلئ المعاني، ويجول في آفاق الفكر تجوال الأديب المكين. قلت له لا تتريث على أن يكون أول ما أرى من مآثر مصر أدبها الحي ووثبتها المرموقة في نوابغها وقادة الفكر فيها، ونحن وإن اختلفنا في الرأي والمقالة؛ فإننا نرجع إلى الحرية. فتبسم عن رضى وتألقت فيه نفس الأديب الكريم
وسرعان ما عكفت بعد لقياه على كتابه الجديد (عمرو بن العاص) فقرأته بإعجاب نسيت فيه ما كنت أحسه من كآبة الاغتراب في نفسي، وألفيتني أستمع للتاريخ وأتدبر الأحداث، فإذا أنا بين دفتي كتاب على نسق العبقريات، وسمه ناشروه بأعلام الإسلام، فكان فاتحة لجهدهم المحمود. جلا فيه العقاد عمراً في شخص فذ عظيم من شخوص العرب الذي صمدوا للدهر
وتركوا في الدنيا دوياً، فقرب المؤلف بلباقته وبراعته ما تناءى من التاريخ على القارئين. ومن للناس في كل حين بالطبري والدميري والطبقات والسير وكتب التراجم والأخبار، فهم إن عركوا أوراقها ومزقوا جلودها من طول البحث فيها والتنقير ما حصلوا منها على طائل ولا نالوا من نائل، حتى كانت منالة الأدب الحديث، فأورد القراء بكرام الكاتبين موارد