للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السهولة في التاريخ والسير، إذ سكبوا بيانهم على الحادثات الغوابر، فردوها نواضر وبعثوا أمجادها للأجيال لتكون لهم فيها أسوة ومنفعة

وكذلك فعل العقاد في كتابه الجديد، فارتديت رداء امرأة من نساء العرب وخلطت نفسي بنسوة من قريش يعجبن بصنع عمرو وخليقته، ويرين إلى أبيه العاص بن وائل وهو في الذروة من بني سهم فيشفقن مما يخوض به الرجال من ملامز عمرو بن العاص وضعة نسبه لأمه السبية، وأنها كانت كبرى المغنيات في مكة وآخذهن لأجرة. فقلت لله هؤلاء العرب الأشداء الذين عبدوا أنسابهم فتنافسوا فيها وناشدوا بها الرجال والنساء، وأرادوها في الخيل والسيوف! ثم رأيت عمراً وقد أفضت مضجعه هذه الفرحة الدامية، وأنداده في صحة منها وعافية، صليبتهم نقية وحسبهم معروف، فكانت مغامز الحساد لابن العاص حوافز مرهفة لتعاليه ونشدانه البسطة في الوجاهة والثروة. وقد أعدته المواهب والشمائل لبلوغ ما صبا إليه في زهو الشباب، وكان يرى بلحظ الغيب نصيباً من المجد والسلطان أدركه في عنفوان الرجولة وفي عهد الفتح المبين

لقد عرض الأستاذ العقاد عمراً في معاريض الدهاء المبكر؛ إذ كان يحل خلافاً قد استحكم بين طلحة بن عبيد الله والزبير ابن العوام. وإذا بالإسلام يظل العرب فيندبه الرسول عليه السلام ليحكم بين جماعة من قومه يهددون المسلمين فيكسر ابن العاص شوكة الظالم ويفل جمع الباغين بدهائه وفطنته، فتتطامن له الشجاعة والحيلة، ويزكو ذكاءه مع الأيام القابلة وهو ما يزال يحس بين جنبيه هذه الشوكة الناخزة في نسبه لأمه التي يجهر بخبرها الناس إذا خلا بعضهم إلى بعض، ويسرونها كلما رأوه فيزداد طموحه وتغريه وثبات هذا الطموح بالتماس الأسباب للغلاب بالأمارة والرئاسة على من يفاخرونه بشرف الأمومة

ويموت أبو عمرو، وكان من سراة السهميين، فأخو عمرو يرث أباه ويكون ذا مال، وعمر مقل فقير، فأين ماله من أبيه؟ هاهنا يقلب الأستاذ العقاد وجوه الرأي ومدار البحث حول هذه المسألة، فيرينا عمراً وقد بقى محافظاً على رضى أبيه. ولم يسلم حتى مات أبوه الذي رغب عن الإسلام، وأنه لا يبعد أن يكون عمرو قد أصاب شيئاً من الميراث فأنفق منه ما أنفق بعد يأسه من تجارة الحبشة والشام، ولم يبقى له عند ولايته على مصر إلا اليسير. على أني أجد تعليلاً لفقر عمرو سهلاً هيناً، أفلم تقل أمه: انظروا من يشبه فألحقوه به.

<<  <  ج:
ص:  >  >>