للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قصة المكروب كيف كشفه رجاله]

ترجمة الدكتور أحمد زكي

مدير مصلحة الكيمياء

- ٧ -

وأخيراً بدأت السعادة تدخل إلى قلب متشنيكوف، فخصماؤه كانوا اقتنعوا بنظريته ولو بعض اقتناع، والبعض كفّ عن مخاصمته لقلة جدواها؛ ذلك أنه كان أصبر على التجربة منهم وأبعد عن الملل فيها، وأنه كان أقدر على الكلام وأطول نَفَسا فيه؛ ثم هو في حجاجه أعلى صوتاً وأبعد صدى. فلما طلع عليه القرن العشرون استطاع أن يجلس في سلام ويقعد إلى مكتبه في اطمئنان فيكتب كتاباً كبيراً ضمنه كل الذي وجده في أمر الحصانة. فكان رسالة ضخمة تحسبه قضى عمره في إنجازها. وكتبها بأسلوب رائع يحسده عليه فلوبير وجاء فيه بآلاف الحقائق، وصوّر كل حقيقة منها تصويراً واضحاً جذّاباً؛ ولوي تلك الحقائق لية جميلة ظريفة لتجتمع كلها عند قصد واحد هو تدعيم نظريته وتعزيز آرائه فيها. كانت رسالته أشبه بقصة أبطالها الألوف المؤلفة من تلك الخلايا الأفّاقة التوّاهة - فاجوساتِ حيواناتِ الأرض جميعاً.

وحبّبه صيته الذي كسبه في الحياة، فصار يلتذّ لذة عميقة بكونه حيّاً، وقد كان قبل ذلك بعشرين عاماً يعاف الدنيا ويبغض العيش، ويكره لناس أجداداً وأحفاداً، ويرثي لنفسه أنه كائن، حتى كان من ذلك أن قال لزوجته أُلْجا: (إن من الإجرام طلب النسل، وأن آدمياً يَمُدّ في حبل الوجود بما يخلّفه من آدميّين لا يفعل ذلك وهو خالص الذمّة بريئها). أما الآن وقد ابتسمت له الحياة فقد عطف على أطفال القرية: قرية سفر عاش بها، وربّت على رؤوسهم وفرق فيهم الحلوى فأسموه (بابا نوئيل). قال: (ما ألطف العيش وما أجمل الوجود!) ولكن ما السبيل إلى استبقائه، ما السبيل إلى التشبّث به وهو يُفلت من يديه هكذا سريعاً؟ سبيل ذلك واحدة وحيدة - سبيل ذلك لا ريب العلم.

كتب يقول: (ما المرض إلا حادث عارض من أحداث الحياة). وقال: (إن العلاج لا يكفي (وهو لم يكتشف قط علاجاً). . . فلا بد من تفهّم هذا المآل الذي يؤول إليه الناس تلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>