العلامة الكبير السيد هبة الدين الشهرستاني رجل من رجالات العراق الذي يشار إليهم، ويعتمد على رأيهم في شئون الدين والدولة، تولى وزارة المعارف العراقية لأول عهد البلاد بالاحتلال الإنجليزي، فكانت له فيها مواقف جريئة مع مستشارها الإنجليزي لا يزال الناس يتحدثون بها ويثنون عليها. وكان العامل الأول على نشر التعليم بين المسلمين بعد أن كانوا يعزفون عنه نظراً للصبغة الاحتلالية التي كانت تسيطر عليه. وهو فوق ذلك صاحب قلم بارع في سرد حقائق الإسلام وجلاء مآثره، يشهد بذلك كتبه العديدة وخصوصاً كتابه (المعارف العالية) الذي نحى فيه منحى عصرياً حميداً يحبب إلى الشباب قراءته، وهو محاضر طلق اللسان لين الصوت وقور المظهر، وديع النفس تشعر أن فيضاً من سمو الروح وجلال الخلق يغمرك وأنت في مجلسه. وهو من كبار مجتهدي إخواننا الشيعة، وإن كان لسمو خلقه وغزارة علمه وأتساع أفقه لا يختص بفريق دون فريق. وكان على رأس الرعيل الأول من علماء الإصلاح في النجف الأشرف أهاب بعلمائه وطلابه سنة ١٣٢٨هـ في مجلته (العلم) أن يرموا بأبصارهم إلى ما وراء أسوار معاهدهم الدينية من شئون الحياة والعلوم العصرية، كما أهاب الأستاذ الأمام محمد عبده برجال الأزهر. وقد صار له الآن تلاميذ ومريدون يتولون نشر دعوته وتعميم طريقته.
وقد كان من حسن حظي أن أتيحت لي فرصة زيارته فملأت بصري بصورته الجليلة. وشيخوخته الوقور التي ذكرتني بالصور الذهنية لعلماء بغداد الأولين، بعد أن ملأت سمعي بذكره العاطر وثناء الناس عموماً عليه. فصدق العيان الخبر.
وكان لا بد أن يتطرق الحديث إلى شئون المسلمين والآمال في المستقبل الذي تحفز التاريخ ليكتب فيه صفحة جديدة للنهضة الدينية والدنيوية في ديارهم.
وهو يرى أن الوحدة الإسلامية المنشودة التي يمهد لها المخلصون من رجال الإسلام، ويدعون إليها لا يمكن أن تتم إلا بالتقاء النجف بالأزهر بتبادل الزيارات بين العلماء والبعثات بين الطلاب، وإطلاع رجال كل من المعهدين على الأنظمة في الآخر