الأدب قديم يعود إلى ذلك اليوم البعيد الذي بدأ الدماغ ينسج فيه خيوطه الأولى وله دولته ذات الهياكل والأبراج والعروش وهي أعظم الدول وأضخمها وأجملها وأبعدها مدى وأغناها.
الأدب عظيم له كلمته الفيحاء الفينانة الخلابة الشاملة أتناولها فيعرض أمامي الأدب القديم مواكبه ويأتي امراؤه الذين ضخمناهم وأطلنا قاماتهم خلال القرون ويتربعون في ساحتي قائلين:
نحن أرباب الأدب ودعائمه وأساطينه كتبنا الآيات الرائعات واحتللنا في قصور التاريخ أفخم القاعات وغردنا في جنان الأدب على كل غصن فيه فلم نبق غصناً لطائر وحمنا حومتنا في جميع آفاق الفن واستقطرنا النجوم نجمة نجمة فلم نترك لغيرنا أفقاً ونجمة في كأسها خمرة وحي وإلهام فما أنت كاتب بعدنا؟ ما هذا الجنون فيك تأتي بالدواة وقد استنفدنا مدادها وتكتب المقال وترسل الآية وتؤلف الكتاب ونحن أمامك لم نبق لك جديداً، أنسيت أن العالم قديم وأن الذين فكروا وأحسوا قبل أن ولدت جيوش لو عرضت كلها أمام عينيك لسحقتك أمجاد القلم وأعماك غبار العباقرة عما أنت فيه، لقد عصروا رأس الأدب وقلبه ولم يدعوا لك قطرة.
نحن هنا أيها الدعي المغرور ولم نمت بعد وهذه أصواتنا المدوية في الدهور فقل، فل أنك تردد أصداءها.
أجل، أجل. . . أن لكم ذهبكم الذي يبرق في الأدب القديم ولكن ليس كل ما أخرجتموه للناس ذهباً ففي جواره نحاس كثير، ولكم نفائسكم ولكن ليس ما عرضتموه في المتاحف كل ما يمكن أن يعرض فيها، وأنتم أغنياء في الأدب ولكنكم لم تحتكروا الثروة الأدبية فهناك دنانير لم تضرب في أيامكم وأسواق للأدب تعرض فيها بضاعة لم تعرفوا حريرها. . . أجل، لقد عصرتم رأس الأدب وقلبه وأسكرتم الناس ولكن خمرة الروح لم تفرغ دنانها فهي دنان الزمان الذي لا يفرغ كأسه. . . أنت يا (هيجو) نسر في الخيال عظيم ولكنك لم تحتل الآفاق كلها ولم تقو على إخضاع أثير الشعر لمشيئتك فلا يحمل غير روحك ولا يطرب