لغير صوتك. . . وأنت يا شكسبير لست الفن كله. . . وأنت يا (روسو) لست رب النثر. . . وأنت يا من نظر الأعمى إلى أدبك لست وحدك الذي ينظر إلى أدبه العميان. . . أنتم ورفاقكم القدماء موجات في بحر الأدب والفن والخيال الذي لا ساحل له، وفي وسعي أن آتيكم اليوم وغداً وبعد غد وأنا أصف هذه الشمس في شروقها وغروبها بصورة جديدة لم تخطر لكم وأن ألبس ما أراه وأسمعه ثوباً جديداً ليس فيه خيط واحد من خيوطكم.
أن الوجوه التي أراها والأصوات التي أسمعها هي غير وجوهكم وأصواتكم، والأدب ليس وقفاً على جيل من الناس وإنما هو مرعى للأنسانية لكل أديب مفكر موهوب قطيعه فيه. . . أنتم في الأدب بشر ونحن الذين الهناكم وأقمنا لكم الهياكل وجعلنا الكلمة لا صدى لها إلا إذا خرجت من أفواهكم.
نحن الذين خلقنا لكم وجوهاً لم يعرفها لكم معاصروكم، لقد أقصاكم عنا تعاقب الأجيال في لجة القدم نقام الخيال ينسج نسيجه ويلبسكم الأثواب الفضفاضة التي خاطتها الأساطير والأوهام. . . أنتم أسياد في الأدب ولكننا لا نعترف بكم طغاة مستبدين.
أن للأدب تاجاً يطمح كل أديب موهوب إلى درة فيه، وهذا النير، نير الأدب العتيق يجب أن نتحرر منه فليس في الأدب أنيار وإنما فيه أنهار تتدفق من ينابيع الألهام الذي ينزله الله على من يشاء في أي وقت شاء.
تلك هي اللغة التي يجب أن يخاطب بها أديب اليوم أديب الأمس، إن ما نطلبه من أديب اليوم هو الجرأة في التفكير والثقة بالقدرة على الإبداع والطموح بالعاطفة والخيال إلى آخر نجمة في أقصى الآفاق وغمس القلم في مداد حر ورفع البناء بحجارة جديدة فكم هو جميل أن تبنى بناءك وتقول: هذا حجوي، وما الفائدة من القلم وأين جماله وجلاله إذا غمس في دواة قديمة.
لقد اجتازت بنا قوة التفكير والإحساس مراحل لا تعد واتسعت عيوننا وجباهنا فتكشفت لنا آفاق لا عهد للأمس بها ووعينا ما لم يكتب للأقدمين أن يقفوا عليه وغصنا إلى أعماق الوجدان وعرضنا مواكب السماء والأرض موكباً موكباً وجئنا بالكهرباء وما وراء الكهرباء. . . أبعد هذا كله نظل أتباعاً لشاعر قديم أو ناثر مفكر موهوب بيننا وبينه ألف جيل.