أمة تكافح في سبيل حريتها ومجدها، لا يكفي لكي تحقق هذه الأهداف إيمانها بحقوقها فحسب، بل لابد لها من الإيمان برسالة إنسانية عالمية تؤديها، وبقدرتها على انتزاع حقوقها وأداء رسالتها، ذلك الإيمان الذي تبعثه العزة ويغذيه الطموح.
ذلك شأن شعب مصر المجيد الذي علم التاريخ في جميع العصور أن مجده لا يعرف الحدود، وأن رسالته عالمية لا تحدها الأقطار متى نهض للسيادة واستيقظ للكفاح؛ فكيف يقنع في هذا القرن العشرين بأمل لا يتجاوز القنال، ومجد يقتصر على ما يسمونه (الاستقلال)؟ وقد علمته تجارب العصر أن عهد الأمم الصغيرة قد زال وانقضى عصر الدول، وأصبحنا في عصر (الاتحادات) و (الكتل)، ولم تعد دولة واحدة تستطيع أن تقف على قدميها وحدها، إلا إذا احتمت بمجموعة من الدول تشاركها في المصلحة والغاية إن لم تشترك معها في الوطن أو العنصر.
هذه حقائق لا تمر بخاطر طائفة من القاعدين المثبطين، دأبوا على نقد كل عامل والسخرية بكل داع؛ قالوا: كيف تشغلون هذا الشعب بقضايا العروبة في فلسطين والشام والمغرب، وكيف تطالبونه بالجهاد في سبيل هذه الشعوب، وفي سبيل العروبة والإسلام في كل مكان، وهو لا يكاد يطيق الجهاد في سبيل استقلاله المحدود؟ إنكم بذلك تشغلونه عن (أهدافه القومية) بأحلام بعيدة المنال!
تلك والله آفة العاجزين المتخاذلين - يعجزون عن العمل ويجبنون عن الجهاد، فلا يرضيهم أن يعمل المؤملون أو يتقدم القادرون. ويأبون مواجهة الناس في صورة الجبناء الضعفاء، فيلبسون لهم مسوح الناصحين، ويحدثونهم بلهجة الواعظين، ويرمون سواهم بدائهم، يزعمون أننا خياليون، وهم هم الواهمون المتخيلون إذا كانوا يظنون أنه يتحقق لهم (استقلال) في القاهرة إذا بقي الاحتلال في القدس أو الخرطوم أو بنغازي.
كلا والله، أنها أمة واحدة، جمعها التاريخ المجيد والعنصر الكريم والقومية العربية، وجمعتها رسالتها العالمية الروحية. وأنه لوطن واحد مهما تعددت أقطاره من عراق أو شام أو حجاز