أرقت في هذه الساعة فما استطعت أن أنام. . . لقد حاولت أن أغمض عيني، وأن أستسلم لهذه الرؤى البارعة، وتلك الأحلام الرائعة، وذاك الجمال الذي أهواه، لعلي أنام على ذكراه وأغني على هدهدته، وأجد اللذة في مداعبة خياله، والأنس بحثاً له، ولكني لم أفد شيئاً من هذه المحاولة. إن النوم ليعصيني كأن بيني وبينه عداء؛ وما كنت لأعادي إنساناً أو أغضب رجلاً، أو أسئ إلى مخلوق، لأن قسوة الحياة علمتني منذ كنت طفلاً منكمشاً في زاوية المدرسة، وحيداً في أطراف الطريق، معتزلاً في ركن البيت، ألا أقسو على أحد، وأن أنشد الخير لهؤلاء الناس جميعاً؛ فليس أحلى من الخير، ولا أحسن منه استثارة العاطفة، وإرضاء للشعور الغاضب المضطرب
- ٢ -
لِمَ يجفوني النوم؟ ولِمَ يباعد بيني وبين أحلامي الهانئة وقصوري الناعمة في جنات الخيال؟ ولِمَ يريدني على أن أساهر النجم وأراقب الكواكب وأشهد صفحة السماء بعيني، بينا، تتطلع إلى السماء بألف عين فأخافها وأخشاها، وأرتعد منها، وأفر إلى أعماق السرير، وأستر وجهي بهذا الغطاء الكثيف؛ فلا أنجو من الرعب ولا أخلص من الارتعاد، وتظل هذه الأعين تطل علي، وتلحق بي، وتتعثر في ناظري، وترمقني بشعاعاتها النافذات؟!
أي شيء أصبت من إثم حتى يجردني الله من لباس الليل، فلا أرتع فيه، ولا أغيب في آفاقه السعيدة أنسى هموم اليوم ومتاعب النهار، وأخبار السوء؛ ولم تتوافد علي الذكريات أليمة محزنة، وتطوف في خاطري كئيبة سوداء، وتنشر في نفسي ليلاً آخر بكل سواده القاتم، وجلاله القائم، ونجومه المنطفئات؟!
- ٣ -
لم تعد لي قوة أحتمل بها هذه الوحشة. . . لقد كنت ألقي أهوال النهار فأفر منها إلى الليل،