منذ أن أعلن العلم الحرب على الدين في القرن السادس عشر، لم ين عن مناوأته حيث ثقفه، اعتقاداً منه أن الدين لا يقوم على أصل ثابت له علاقة بإيصال الإنسان إلى كماله ولكنه قائم على الأهواء التي يبعثها حب الذات في النفوس، وعلى الأوهام التي لا يمكن أن يقام على وجودها دليل، والتي يكفي في دفع سحرها عن العقول نشر العلم الصحيح بين الناس، والعلم قد بنى على أساس دستوره المعروف، وهو أن لا يقام لمعقول وزن إلا إذا أيده دليل من الحسن، وأني للعقائد الدينية أن تجد دليلاً محسوساً لتقيم عليه وجودها؟
وقد وفق رجال العلم إلى جانب هذا لكشف الكثير من مساتير الوجود، ودرسوا نواميسها، وأقاموا عليها مخترعات ووسائل ذات أثر بالغ في كل فرع من فروع المحاولات الإنسانية؛ فكما ترى أثر العلم في المدن بادية في مصنوعاتها ومنتجاتها المحيرة للعقل، وفي علاجاتها وذرائعها المخففة للآلام، المزيلة للأمراض، ترى في القرى في آلات الحرث والري ةالبذر والتسميد والحصاد والنقل الخ الخ، فهذه المظاهر كلها أثرت في العقلية الإنسانية، وخاصة عقلية المتعلمين تأثراً عظيماً جعل للعلم فيها منزلة للقوامة عليها؛ فإذا بدا لهم مجهول، أو أعوزهم ترجيح، رجعوا فيه إلى العلم، ووقفوا منه عند حكمة، وقد علمت رأي العلم في الدين، فماذا تنتظر أن يكون عليه الناشئون بين حضنيه، المعولون في بناء أحكامهم عليه؟
هذا الأثر قد لحظناه في أنفسنا ونحن في دور الدراسة، وكابدنا للتوفيق بين عقيدتنا والعلم مشاق مضنية، وعملنا لنشر ثمرات ما حصلناه كتباً، ولا نزال جادين في هذا الطريق ثقة منا بأن مستقبل الإسلام بموافقته للعلم، أن الذين لا يتطلبون هذه الموافقة ولا يتكلفون لإيجادها مثل ما تكلفناه، تساورهم الشبهات والشكوك من كل مكان، وينتهي بهم الأمر إلى الإلحاد.
أن أشد ما يصادفه طالب الأيمان من طريق العلم هي ما في الأديان من شئون ما فوق الطبيعية، فالعلم الرسمي لا يزال قائماً على ما كان عليه من نفيها نفياً باتاً، وحسبان كل ما يتعلق بها من بقايا الخرافات الساذجة، فالتوفيق بين العلم والأيمان من المحالات البعيدة الوقوع، لذلك يشيع الإلحاد في طلبة العلوم الكونية في أساتذتهم؛ ومن كان منهم يعطف على