(في يوم ١٤ يوليو انتهت حملة الحلفاء في سورية بعد قتال استمر حوالي ستة أسابيع في تلك البلاد الشقيقة بين قوات الحلفاء من جهة وقوات قيشي من جهة أخرى، ولقد قام مطار تدمر في هذه الحملة بدور خطير، وتكرر ذكر هذه المدينة على صفحات الجرائد. فوفاء لتاريخ هذه المدينة وماضيها المجيد أكتب هذه السطور)
في وسط بادية الشام وجنوب خط عرض ٣٥ شمالاً، وغرب خط طول ٤٠ شرقاً، تقع مدينة تدمر ذات المطار الحربي في الوقت الحاضر والتاريخ المجيد في العصور الماضية، إذ كانت تسمى باليونانية بالميرا أي مدينة النخل، وباللغة العبرية (تمر) بإقحام الدال فيها، وهذا اللفظ يرادف كلمة (النخل). وقد ذكر المتنبي هذه المدينة في شعره، ولكنه اشتق اسمها من الدمار حيث نراه يقول في مدح سيف الدولة الذي تغلب على بعض قبائل العرب عبد مدينة تدمر:
وليس بغير تدمر مستغاثٌ ... وتدمر كاسمها لهمُ دمارُ
على أن الرخين لا يأخذون بهذا الرأي، ويرجحون أن قول المتنبي هذا من باب الاستقاق البديعي ذكره على طريقة الجناسَ، ويجمعون على أن سيدنا سليمان هو الذي قام بتأسيسها، ولهم في ذلك أدلة يذكرونها، ومنها شهادة الكتاب المقدس في سفر أخبار الأيام الثاني وسفر الملوك الثالث، إذ قال الكتاب عن سليمان:(فبنى سليمان جازر. . . وتدمر في أرض البرية).
ومنها أن ليهود يتناقلون أباً عن جد قصة بناء سيدنا سليمان لها، هذا فضلاً عن أن المؤرخ الشهير يوسف اليهودي قد روى هذا في كتاب العاديات اليهودية، وهو أحد مصادر التاريخ الإسرائيلي. ثم إن العرب اتفقوا على هذا الرأي ولا سيما سكان البادية، بل نراهم يزيدون على ذلك ويزعمون أن الجن هم الذين بنوا مدينة تدمر لسليمان، ومما يؤيد هذا الرأي قول النابغة الذبياني، نحن نعلم مكانته بين شعراء الجاهلية:
إلا سليمان إذ قال الإله لهُ ... قم في البرية فاحددها عن الفَنَدِ
وخبِّر الجن أني قد أمرتهمُ ... يبنون تدمر بالصُّفاح والعمدِ