لست أدري لماذا يؤمن الناس أشد الأيمان بمرض أجسامهم، ولا يؤمنون بمرض نفوسهم، فإذا شعر أحدهم بمرض جسمي أسرع إلى الطبيب يصف له أعراضه، ويستوصفه دواءه، وينفذ أوامر مهما دقت، ويبذل في ذلك الأموال مهما جلّت، ثم هو يمرض نفسياً، فلا يأبه لذلك، ولا يعيره عناية، ولا يستشير طبياً نفسياً، ولا يعني بدرس الأعراض ومعرفة الأسباب، وقد يلح عليه مرض النفس، ويصل به إلى اليأس، فلا يسمى لعلاج، ولا تجد في معرفة دواء، كأن نفسه أهون عليه من جسمه، وروحه أتفه من بدنه.
ومن أجل عناية الناس بأجسامهم دون نفوسهم، كان لدينا نظام شامل واف لطب الأجسام دون طب النفوس، فمدرسة لتخريخ الأطباء حتى للطب البيطري، ومعاهد للتشريح والتجارب، وتخصصُ في الأمراض، فهذا طبيب عين، وهذا طبيب أنف وحنجرة، وهذا طبيب أسنان، وهذا طبيب باطني الخ، وكان لكل حيَّ طبيب أو أطباء، ولكل مدرسة طبيب، وفي الأمم الراقية لكل أسرة طبيب، ووجدت المستشفيات في أنحاء الأقطار، وعدها الناس عملاً خيرياً يتبرعون لها بأموالهم، كما عدتها الحكومة ضرورة اجتماعية ترصد لها الأموال في ميزانياتها، وأنشئت الصيدليات في كل حي وكل شارع لتلبية طلبات الأطباء والجماهير في كل وقت إسعافاً للجسم في مرضه وفي ترفه.
وخضعت هذه النظم لسنة الارتقاء، فهي تساير الزمان، وتستفيد مما يؤدي إليه البحث والعلم، وتتكيّف حسب ما تقتضيه الأحوال، وتجهز بأحدث المخترعات.
والعقل عنى بعض هذه العناية، فكان أطباء للأعصاب، ومستشفيات للمجاذيب، وبحوث وتجارب في أمراض العقل وعلاجه أما النفس فحظها من ذلك كله حظ الأرنب بجانب الأسد، فلا الناس يقدرون خطورة أمراظها، ولا تنشأ المدارس لأطبائها، ولا تؤسس المستشفيات لعلاجها.
مع أني أعتقد أن آلام الناس مكن نفوسهم أكثر من آلامهم من جسومهم، وإضرار المجتمعات من مرضى النفوس تفوق أضرارها من مرضى الجسوم، وللنفس أمراض لا حصر لها، تختلف كاختلاف أمراض الجسم إلى مرض عين ومرض معدة ومرض أمعاء،