في سنة ١٩٢٨ دعت وزارة المعارف المصرية الدكتور كلاباريد أستاذ علم النفس بجامعة جنيف لدراسة حال التعليم في مصر ومعرفة مواضع النقص فيه، واقتراح الإصلاحات الضرورية للمناهج وطرق التدريس ونظام المدارس على أسس من التربية وعلم النفس. وكان مما قام به الأستاذ هو إجراء بحوث اختبارية في الذكاء على طوائف من التلاميذ في جميع مراحل التعليم لمعرفة مستوى ذكاء التلميذ المصري واتجاه نموه العقلي. وقد أجرى الأستاذ فعلاً عدة تجارب - بمساعدة عدد من الأساتذة المصريين - لقياس الذكاء، واستخدم أنواعاً مختلفة من المقاييس من بينها مقياس الدكتور بالارد. وكان هذا المقياس قد جرب في إنجلترا وفي البلجيك وقُنِّن. ولكن الأستاذ أدخل عليه بعض التعديلات ليناسب الناشئة المصرية. وقد أظهرت النتائج التي أسفرت عنها اختبارات الذكاء أن مستوى الذكاء عند التلاميذ المصريين - ما عدا البنات اللواتي تتراوح أعمارهن بين الثامنة والعاشرة - أقل بكثير من مستوى الذكاء عند التلاميذ البلجيك والإنجليز
وقد استرعت هذه النتيجة انتباه الدكتور واهتمامه، فجعلته يحاول معرفة هذا التأخر الذكائي، فذهب يفرض له فروضاً، وشرع في درسها، وكان من بين الفروض التي افترضها ورفضها أن سبب هذا النقص هو انحطاط في فطرة الطفل المصري. وهو يقول في تقريره:(هذا وليس في الأسباب ما يحدو بنا إلى الاستناد إلى الغباوة الفطرية كخصيصة في الطفل المصري، لأننا إذا راعينا النتائج الفردية، ولم نقتصر على المتوسطات وحدها، فإنا واجدون في جميع أدوار أعمار الأطفال طائفة من نتائج اختبارهم أحسن ما تكون. وفي هذا ما لا يبرر الاستناد إلى الانحطاط الفطري) ثم هو يذهب فيبحث فروضاً أخرى ويرى (أن تأثير الوسط المحيط هو ما يصح الاستناد إليه في كثير من الوثوق والتأكد لتعليل ذلك الانحطاط. فقد دل عدد كبير من البحوث التي أجريت على أن مستوى عقل الطفل يترتب إلى حد ما على الوسط الاجتماعي الذي يمت إليه بصلة ما، وعلى وسطه العائلي الخاص أيضاً. وبدهي أن الأطفال الذين في أسرة مثقفة يعلو مستواهم