(إلى المتكبرين الذين نسوا أنهم من تراب خلقوا وإليه يعودون
ومنه يخرجون)
للأستاذ حامد بدر
قلت لصاحبي: هل سمعت حديث التراب؟ قال: وهل يتكلم التراب؟ قلت: نعم يتكلم بصوت يسمعه من كان له قلب، وآثر على الشموخ بأنفه، الإطراق برأسه، ممعنا في التردد إلى الأرض، بعد أن عرف أن نعيم الدنيا وشقاءها يزولان بزوالها، كما تزول عند الأفاقة طيوف الأحلام؛ وأن السعادة التي يتنافس من أجلها المتنافسون، والشقاوة التي يستعيذ بالله منها المتقون، هما السعادة والشقاوة اللتان لا تنفدان ولا تنتهيان.
قال صاحبي: فما حديثه؟ قلت: كلما وطئ المتكبر الأرض بقدميه قال له التراب: أنت ظلوم جهول. . . ترى الحق وتعمى، فإن لم تعم تعاميت! وأنت حقير مغرور. . . تتعالى من فوقي ناسياً أنني رفيق الآباد، ومتحدي القرون بهذا الظاهر المنبسط الغامض، وذاك الوجه الأشعث الأعفر، وذلك السطح الرحب الصبور، جاعلا صدري مهادا لأقدام المثقلين بعظائم الخطايا، المفاخرين بكبائر الذنوب. . .! وقليل من يدرك أسراري، ويتدبر عظاتي.!!
أنت تنظر إلي نظرة سطحية فارغة قصيرة لا تتجاوز قدميك؛ ولو استطعت أن تنظر نظرة نافذة مليئة بعيدة المدى، لرأيت في تواضعي قوة الجبار، وفي سكوني ثبات الواثق، وفي احتمالي أناة الحليم، وفي صمتي عظة الحكيم، وفي ركودي عفو القادر، وفي هبوبي - الفينة بعد الفينة - آية للغافل الوسنان.!
وأنك إذا تأملت قليلاً ما شككت في أن في باطني قوة تفتت الجماجم، وتذيب الجلامد، وتصهر الحديد. .!
كم ثار من فوقي طاغية. . . وأخيراً لاذ بي جثة فارقتها الحياة، ونفر منها الأحياء؛ ولولا سعة صدري لاشمأز منها الأقربون!