للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سيجموند فرويد]

العالم النفساني الكبير

للأستاذ صديق شيبوب

- ٥ -

حين أربي (فرويد) على السبعين كانت نظرياته في علم النفس قد استحكمت حلقاتها وقامت كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً بعد أن عمل على تشييدها جزءاً فجزءاً، وكان (الجزء يلد من الجزء تباعاً) كما يقول: (ليوناردو فينتشي، وأخذت هذه النظريات تؤثر في كل علم وفن. فهل استراح هذا الشيخ مطمئناً إلى ما قدم من خدمات وما أحرز من نصر؟)

لا شك أنه رأى مجال العمل ذا سعة ولكن أزعجه أنه سوف لا يجد فسحة من الأجل لإتمام ما يبتدئه من بناء للمستقبل. لذلك صار يلقي من الذروة التي تنسم قمتها نظرة شاملة على الماضي على طريقته التحليلية المعهودة، ولكنه بدلاً من أن يعالج الأعصاب والنفس في الفرد، أخذ يعالج العالم ويبحث التاريخ كمجموعة إنسانية فريدة، وبدلاً من أن يوجه أبحاثه شطر المادة أخذ يسوقها ناحية المسائل النظرية بالرغم من أنه كان يأبى هذا التوجيه في شبابه، وهو القائل من قبل: (إني لا أرضى عن تركيب النظريات العامة) فكأنه أراد أن ينتحل لنفسه الأعذار حين قال: (لقد طرأ على أسالبي في العمل تغيير لا أنكر نتائجه. كنت من قبل لا أعرف كيف أحتفظ في نفسي بنظرية أعتقد أنها جديدة وكنت أفضي بها بالرغم من أنه لم تجتمع لدي الأدلة على صحتها. . . لأن الزمان كان منفسحاً أمامي، كان الزمان خضماً واسعاً كما يقول شاعر ظريف. وكانت مواد البحث تتدفق عديدة بحيث أجد من الصعوبة اختيار كل ما بين يدي. أما اليم فقد تغير وضع الأشياء فالزمان محدود الأجل، وفيه من الفراغ ما لا يسده العمل بعد أن تضاءلت ظروف الاختبارات الجديدة. فقد أصبحت لا أجرؤ على الإفضاء بما أكتشفه من جديد مخافة ألا أجد متسعاً من العمر للتدليل عليه. . .)

سلخ (فرويد) خمسين عاماً من حياته لا يقابل فيها غير مرضاه، ولا يعرف من الإنسانية غير أفرادها المصابين التاعسين في غرو إذا نظر إلى الحياة في مجملها نظرة مليئة

<<  <  ج:
ص:  >  >>