للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ساعة في ظلال الجنة]

للأستاذ عبد الله عفيفي بك

الطريق من جدة إلى مكة غاص مزدحم، يتدفق بالركب العظيم والركب أروع ركب وأحفله، وأشده إثارة للقلب والعاطفة والخاطر والخيال. فيه الركبان من كل لون، وفيه المشاة من كل قبيل.

وفيه العابدون السائحون الذين صدروا عن أهلهم وأوطانهم منذ بضع سنين مشاة يستبقون إلى الله في بيته الكريم. وفي هؤلاء من ساروا يحملون أثقالهم وأحمالهم والشيوخ المستضعفين الذين لا يطيقون المشي من الرجال والنساء، وفيهم الوالدات يحملن أطفالهن وراء ظهورهن ويرفعن فوق رءوسهن أزواد الركب الكبير. وقد انتشر هذا الخلق الحاشد على الوادي الممدود بين الجبال المتناوحة في قوة وعزيمة وفي صمت وجلال. بينما الشمس تؤذن بالثواء، والليل من ورائها ينشر رواقه على الصحراء الإلهية الآخذة بمجامع القلوب

(لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، أن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) هذا هو النشيد السماوي الذي كان ينبعث من أعماق القلوب فتخشع له السموات والأرض والجبال، وتتحطم في جنباته كل نفس عاتية وكل قلب حديد

وسارت السيارة بي وبرفاقي متئدة متمهلة في جلال هذا الحشد العالمي الذي تغيب في جلجلته ضجة الجيش القاهر، وتخفت لعظمته قعقعة السلاح العتيد

جاوزنا الركب العظيم وأنا في غاشية وجدانية ملكت علي الطريق. أبعد ساعة أو بعض ساعة أكون في البيت الحرام، وحول الكعبة التي تشخص إليها وجوه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأقف بين مقام إبراهيم وحجر إسماعيل؟

وأخيراً انتهى الوادي، وانفرجت الجبال، وتراءت لنا عن بعد أنوار مكة

الله أكبر! لبيك اللهم لبيك! سبحانك يا من سبحت له السموات والأرض وما فيهن! تعاليت يا رب الأرباب! أهذه النسمات كان يشمها رسول الله. وهذه الأرض كانت تطؤها قدماه!

وسارت السيارة في أحياء مكة حتى انتهت إلى ما بين عتيقين في أقصى الطريق فوقفت، وقال السائق هذا هو البيت الحرام! نزلت وأنا ثابت، لا أستطيع الحركة، وأبصرت فإذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>