تلقيت من الأستاذ عباس السيد أبو النجا المحامي بدكرنس، كتاباً يدافع فيه عن عبد الوهاب وتلحينه لأنشودة فلسطين، وهو بعد التحية:
(قرأت ما كتبتموه عن اللحن الرائع الذي وضعه موسيقار الشرق عبد الوهاب للأنشودة القوية التي نظمها الأستاذ الشاعر علي محمود طه عن فلسطين. ولست أتفق معكم في رأيكم، فإن القراءة الهادئة للقصيدة وتفهم مراميها ومعانيها فهم أناة وروية، ثم تنغيمها بعد ذلك التفهم من أي إنسان أوتي حظاً من رقة الحس، ودقة الأذن، ورهافة الوجدان لا يمكن أن يأتي إلا على هذا الغرار، وفي هذا القالب الشجي من الإيقاع والتلحين.
فالقصيدة تخاطب كل عربي في أرض العروبة، تحثه على الانتفاض على ظلم اليهود، ونبذ سياسة الصبر، وتجريد الحسام دفاعاً عن الأرض المقدسة، تخاطب القصيدة في كل ذلك خطاباً تريد أن تصل به إلى عقله وقلبه حتى ينفض عن التمسك بالأناة، ومجاراة أمم في سياسة السلام.
فليست القصيدة إذاً خطاباً إلى جيش يخوض المعامع فهي تستزيد حماسته، وتلهب حميته، إنما هي خطاب إلى المسالمين يستنفرهم إلى اطراح السلام، ونداء إلى الوادعين يستنهض هممهم - بعد أن يبين لهم - ويستثير - عن إقناع - عزماتهم إلى دفع الخطر المحدق بهم، دون تلبث أو انتظار.
وبعد: ألستم معي في أن هذا اللحن ليس مائعاً، وإنما هو لحن رائع اقتضاه مبني القصيدة كما استلزمه معناها؟
ثم ألستم معي في أن عبد الوهاب لا ينبغي له أن يأخذ (إجازة) في هذا الظرف العصيب. . . بل إن على الشعراء والناظمين أن يقدموا له من نتاج القرائح ما يقتضي اللحن العاصف والنغم الثائر، والإيقاع المثير، وعندئذ ينطلق صوت عبد الوهاب عاصفاً، ثائراً، مثيراً).
حقاً أن القصيدة تخاطب كل عربي في أرض العروبة، تحثه على نبذ سياسة الصبر وتجريد الحسام إلى آخر ما قال الأستاذ وأضيف إلى ذلك أن القصيدة نفسها قوية في غير جلية ولا ضوضاء، وهي من قبيل ما أدعو إليه من التأليف الذي يؤدي الحماس في هدوء،