كتب مرة أديب من الشبان مقالاً في جريدة السياسية الأسبوعية الغراء منذ سنوات عدة حاول فيه أن يلفت أصحاب الغناء المبرزين إلى أن المرتبة التي وقفوا عندها ليست جديرة بهم، وان الغناء على تخت مكون من (أساطين رجال الفن) ليس قصارى ما يصل إليه فن الموسيقى، بل إن الميدان الفسيح للغناء هو المسرح والأوبرا. غير أن تلك النصيحة آلمت كبيراً من كبراء أهل صناعة الغناء وظن أنها تمس كرامته وفنه، وإلا فهل يليق أن يقول أحد أن غناءه يقصر عن غاية؟ أو أن في الإمكان أبدع مما كان؟ فهب إلى الرد على الكاتب واقبل على تجريحه بما لا يتفق ووداعة الفن الجميل. وإنني اليوم اجرؤ أن اكرر ما قال ذلك الأديب في مقاله السالف، فان أغاني هذه الأيام تكاد تجعل السماع حملاً ثقيلاً، وتكاد تجعل الاهتزاز إليه نوعاً من الصناعة المتكلفة. ولا شك انه قد آن لمصر أن يكون لها مسرح ثابت للأوبرا يجول عليه كبار المغنين من الجنسين ويمدهم فيه بالوحي والروح شعراء مصر المبرزون.
والحق أن موت المسرح الغنائي هو الذي أمات الرواية الشعرية، وهاهي آية تدل على استعداد شعرائنا للتأليف والإبداع إذا وجد من يغرد بقولهم ويصدح بشعرهم.
وهاهو الأستاذ رامي يترك المقطعات حيناً ليظهر للملأ انه يستطيع إذا وجد من المسرح حاجة إليه أن يخلق قصة شعرية رائعة. فان بين أيدينا اليوم قطعة (غرام الشعراء) تجمع بين ما اعتاده الناس من عذوبة شعر رامي وما يتطلبه المسرح الغنائي من تصوير بديع وتأليف متسق. وقد جعلها الشاعر فصلا واحداً ونظنه قد قصد إلى ذلك قصداً. فما نظنه إلا عارضاً على أصحاب الغناء بضاعة جديدة لعله يستطيع أن يرغبهم في ترك البسائط والطموح إلى آفاق أعلى واكثر سمواً.
وان رامي إذا فعل ذلك فإنما يرجى منه أن يلقي إلى الأدب بالآية الكاملة: بالقصة الشعرية