هاهو ذا مؤلف يريد أن يقول شيئاً فيعرب في قوله. إن كثيراً مما نسمع من الأقوال لا يعدو أن يكون صوت أنين غير معرب، أو صوت نشوة لا يتبين السامع منها إلا صيحة تدوي في الفضاء، ولكن مؤلف (القاهرة) أراد أن يصف القاهرة فرسم خطة ثم أنفذها، وعرض على الناس كتاباً أن يقول لهم أن يقرأوه.
بدا بوصف فسطاط عمرو، ثم عسكر بني العباس ثم قطائع ابن طولون، ثم القاهرة المعزية، ثم ما طرأ عليها من الزيادة في أيام الدول التركية المتعاقبة. ثم أردف ذلك بوصف مختصر عن المقريزي لما كان في أيامه من خطط القاهرة، وأوضح ذلك كله بخرائط دقيقة واضحة.
ففكرة الكتاب فكرة علمية بديعة يشكر المؤلف عليها شكراً عظيماً.
غير انه لم يوفق في إنفاذ الخطة كما نظنه رسمهاً لنفسه، فان كتابا يصف القاهرة ينبغي أن يغلب عليه الوصف لما في القاهرة، وما اكثر ما فيها من مخلفات العصور المتعاقبة! غير انه قنع بان يغلب على كتابه ذكر تاريخالقاهرة وتطور عمرانها. فالكتاب اجدرأن يعد كتاب تاريخ نمو القاهرة لا كتاب وصف لها. ولسنا بسبيل التماس الأسباب التي دعت المؤلف إلى ذلك، غير أننا نرجو أن يوفق في مستقبل أيامه - واغلب الظن انه لا يزال في شبابه الأول القوي - إلى أن يكمل هذا البحث الطريف فيجعلنا نرى مميزات كل عصر ومخلفات كل دور من أدوار نمو القاهرة حتى يصبح ذكر القصة التاريخية ثانويا في ظهور الصورة بدل أن يكون كما هو الآن ابرز شيء فيها.