أقبلت عليه متهادية، تحمل أذيالها الجواري السود، وجلست قربه وقالت بصوتها العذب: عمْ صباحاً أيها الأمير. فقال: عمي صباحاً أيتها الأميرة. قالت: ما لي أراك طويل التأمل، عميق التفكير، مؤرق الليل، محزون النهار؟ قال: آه يا زينب! كيف لا يأرق العربي ويموت أرقاً، ويحزن وذوب حزناً، إذا استُلب الكرامة، وفقد الحرية؟؟
حنانيك يا زينب! إني أكاد أموت هماً وكمدا! إني أريد أن استقل استقلالاً تاماً! إني أريد أن أملك زمام المشرق والمغرب!
إلى متى أنا خاضع للروم؟ إني أخاف هؤلاء اللئام يا زينب، وأرهب غدرهم، فهم لا يرعون ذمة، ولا يوفون عهداً، ولا يصدقون قولاً. إني أشفق أن يمر بنا حين نذل فيه، ونساق للهوان والصغار سوق الإبل!
إن الحرية يا زينب لا تنال بمعاهدة ولا مفاوضة، بل تنال بالدم، والدم وحده. ونحن لا جيش لنا ولا عدة، فمن اين نأتي بالدم؟ أبالشجاعة وحدها؟
أفديك يا زينب! اهدني بنور وجهك المشرق، وحبك إياي، وإخلاصك لي سبل الحرية!
فقالت حييت أيها الأمير! هيئ جيشك، وحالف سابور ذا الأكتاف ملك الفرس، ولأسِر معك نحارب الروم ولا نرجع إلا ظافرين أو مقتولين. فلَلموت في سبيل الحرية خير ما يتصف به العربي!!
عاد أمير تدمر بعد أيام وقال لزينب: لقد سار ملك الروم بجيش جرار على سابور ملك الفرس، وخفت أن يظفر به، فصالحته من بعد ما اتفقت مع سابور عليه. إلا أن الفرس هزموا جمع الروم، وأسروا مليكهم، فأشفقت كثيراً أن يسير سابور إلينا يطلب الوِتر، وما أحسبه إلا قاضياً علينا القضاء الأخير!
ولقد أرسلت إليه رسول الاعتذار، وكتاب الوفاء، وإعلان السلام، وهدية المحبة