(قيد الكاتب البحث العلمي في المقال السابق بقيود ثلاثة، أولها الواجب الذي تفرضه الأخلاق على دارسالعلم بحكم رجولته، وثانيها شروط تحتمها حقوق أولئك الذين تقع عليهم التجربة العلمية ذاتها، وثالثها أمور يفرضها نوع النتاج المقصود من التجربة)
القيد الاول
أما فيما يختص بالقيد الاول فلا حاجة بنا فيه الى الإفاضة الكثيرة. ان البحث العلمي يتطلب المزاج العلمي، وان يباشره الباحث بإخلاص للحقيقة، وولاء مطلق لها، وإغفال تام لصالح الباحث ونفعه الشخصي، واستسلام صريح للعمل المضني، واحتمال غير شاك للآلام في سبيل الطلب.
ورجل العلم لا يدعي حظا من العلم أكبر مما بين يديه، ولا يحاول أن يفيد من جهل الجمهور بعلمه ومن ثقة اعتاد أن يوليها العلماء ضرورة أو اختيارا، وهو لا يستخدم سلطان العلم فيما يحط ويزري، ويعمل كل هذا لأنه واجبه الواضح البين باعتباره إنسانا، ولأنه في علميته لا يستطيع أن يتنصل من إنسانيته، فمُثل الإنسان العالية هي مُثل العالِم العالية، والغايات النبيلة لهذا هي عينها غايات تلك، وموقف الاثنين جميعا من الواجب العام هو الذي حدّث عنه غلادستون حين قال:(أنا لا أبالي أن أسأل كم في الناس سَقَط، وكم فيهم من حُثالة هربت من الأخلاق فحاق بها ما حاق. . . وإ ' نما أنا اعتقد أن الواجب قوة حيّة، تصحو معنا في الصباح، وترقد معنا في الليل، وتصحب كل عمل يصدر في يقضتنا عن ذكائنا الإنساني. الواجب ظل يتبعنا إنما سرنا في مدارج الحياة، ولا يتركنا إلا عندما نغمض الجفن الى الأبد عن نور هذه الشمس)
إن إخضاع العلم للأخلاق بهذا المعنى مبدأ اعترفت به الدنيا قديما وآمنت عليه القرون. وضع أبقراط حلِفه المشهور وحدّد به مسلك الطبيب، واحترمته الأجيال على السواء،